للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: أن الله- سبحانه- خلق الإنسان من ضعف، ولم يجعل في قوة عقله إدراك الحقائق الإلهية، فعدل الله- سبحانه- يقتضي تمهيد عذر الإنسان إذا ضعف في مثل هذه المقامات المدهشة، ما لم يصر على العناد، ولو كان مثل هذا موجبا للعقاب لكان أولى الناس به موسى عليه السلام فإن الله سبحانه لما قال:

وَأَلْقِ عَصاكَ «١» فألقاها إلقاء راغب عنها، ظنا منه أن الله نهاه عن حملها/ ثم التفت فإذا هي حية تسعى، فأمعن هربا، فلما عاد قال له ربه: خُذْها ولا تَخَفْ «٢» فلف كم مدرعته على «٣» يده، ثم تناولها. فقال له الملك: أرأيت لو أذن الله لما تحاذر أكانت تنفعك كمك؟ فقال: لا، ولكني ضعيف، ومن ضعف خلقت «٤».

فإن موسى فعل هذه «٥» الفعال وهو بحضرة الله- سبحانه- يسمع كلامه بغير


(١) قال الله تعالى: وأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ [الأعراف:
١١٧] وقال سبحانه: وأَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً ولَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ [النمل: ١٠] وقال تعالى: وأَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً ولَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى أَقْبِلْ ولا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ [القصص: ٣١].
(٢) قال الله تعالى: وما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى (١٧) قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي ولِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى (١٨) قالَ أَلْقِها يا مُوسى (١٩) فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى (٢٠) قالَ خُذْها ولا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى [طه: ١٧ - ٢١].
(٣) كم مدرعته: الكم: مدخل اليد في الثوب. والمدرعة: ثوب من الصوف. [انظر لسان العرب ١٢/ ٥٢٦، وإكمال الإعلام للجياني ٢/ ٦٠٦].
(٤) من قوله:" فلف كم مدرعته ... " إلى ومن ضعف خلقت" نقله الطوفي بمعناه من تفسير القرطبي (١٣/ ٢٨٣) والقرطبي نقله عن وهب بن منبه. وهي من الإسرائيليات التي كان يحدث بها وهب. وذكرها ابن كثير في تفسيره (٣/ ١٤٥) ولم يعزها إلى أحد.
(٥) في (ش): هذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>