للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال:" وفي سورة القصص «١»: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ... (٨٨) يعني الله- سبحانه- «٢» فجعل الفناء شاملا لما سوى الله تعالى من الملائكة والنفوس".

قلت: كأن وجه إيراده: أن الملائكة والنفوس مجردات عن المادة لا يتصور فناؤها بناء على ما قدم من ذلك. وقد سبق جوابه، وأن الهلاك ممكن في الجميع، ثم ينشئه الله تعالى- كما أخبر-.

ثانيا: أو نقول: ليس المراد بالهلاك العدم المحض، بل هلاك هذه الهيئة التركيبية، كما أن الوعاء من زجاج أو ذهب إذا انكسر فقد هلكت وعائيته، لا زجاجيته وذهبيته وهذان قولان مشهوران/ للمتكلمين «٣» وهو أن الأجساد تعدم عدما محضا ونفيا صرفا أو تتفرق مع بقاء أجزائها المفردة. والمسألة مبنية على مسئلة الجوهر الفرد، وهو الجزء/ الذي لا يتجزأ «٤». وهي مشهورة بين الفلاسفة والمتكلمين.


(١) الآية: ٨٨.
(٢) عبر بالوجه عن الذات. [انظر تفسير ابن كثير ٣/ ٤٠٣].
(٣) ذكر ابن القيم- رحمه الله- خلاف الناس في موت الأرواح وتذوق الموت على قولين: إنها تموت وتذوق الموت لأنها نفس وكل نفس ذائقة الموت ... ، وإذا كانت الملائكة تموت فالنفوس من باب أولى وقال الآخرون: لا تموت وإنما الموت للأبدان، ولو ماتت الأرواح لانقطع عنها النعيم والعذاب كما دلت عليه الأحاديث والقرآن: ولا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ... [سورة آل عمران: ١٦٩]، هذا مع القطع بأن الأرواح تفارق الأجساد، وتذوق الموت. والصواب أنها لا تعدم وتضمحل فتصير عدما محضا، بل هي باقية بعد خلقها في نعيم أو في عذاب، مع أنها تفارق الجسد وتذوق الموت.
[انظر الروح لابن القيم ص: ٤٥ - ٤٦].
(٤) لا بالفعل ولا بالقوة. [المبين في شرح معاني ألفاظ المتكلمين ص: ١١٠].

<<  <  ج: ص:  >  >>