للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقوله:" لم يفعل؟ " استفهام انكار، وذلك يوجب المنع «١»، ولأن فيه فرارا من القدر وهو حرام «٢»، ونوع عبث إذ لا فائدة له إذا كان لا مانع لما أراد الله خلقه، ثم نجعل هذا ناسخا لأحاديث إباحته «٣»، فلا يمكنهم النزاع في ذلك «٤». والله أعلم.


(١) الحديث لا يدل دلالة قطعية على المنع لأنه لم يقل صلى الله عليه وسلم: «فلا يفعل ذلك أحدكم» كما صرح بذلك في بعض طرق الحديث. كما أن الحديث نفسه ورد بعدة ألفاظ منها:" لا عليكم أن لا تفعلوا. فإنما هو القدر" ثم إن الصحابة كانوا يعزلون في عهد النبي- صلى الله عليه وسلم- ولم يزجرهم ويمنعهم من ذلك. ولو كان المؤلف- رحمه الله- ذهب إلى القول الآخر وهو كراهة العزل وأن في الأحاديث ما يدل على كراهته لغير حاجة إليه لكان أولى والله أعلم.
(٢) إذا كان العازل يعزل من غير اضطرار إليه كمخافة من الولد أو نحو ذلك مما يعارض القدر أو الشرع فإن ذلك لا ينبغى بدليل قول النبي- صلى الله عليه وسلم- لصاحب الجارية الذي يعزل عنها: (إن ذلك لن يمنع شيئا أراده الله) [صحيح مسلم، كتاب النكاح، باب حكم العزل. حديث ١٣٥].
ومخالفة لقوله- صلى الله عليه وسلم-: «تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم» أخرجه أبو داود في النكاح، باب النهي عن تزويج من لم يلد من النساء. والنسائي في النكاح، باب كراهية تزويج العقيم، وأحمد في المسند (٣/ ١٥٨، ٢٤٥) وفي مواضع أخرى. قال العجلوني صححه ابن حبان.
(٣) لا بدّ من معرفة الناسخ بتأخره ولم يثبت ما يدل على تأخر هذا الحديث كما ذكر ذلك ابن حجر- رحمه الله- في الفتح (٩/ ٣٠٩) وابن القيم في زاد المعاد (٣/ ١٧ - ١٨) والله أعلم.
(٤) قلت: يمكن الجمع بين الأحاديث والأقوال بأنه إن أراد الزوجان من العزل عدم الرغبة في الولد لغير عذر شرعي أو أراد الرجل أن يحرم المرأة ذلك فإنه مكروه بناء على أدلة الفريق الثاني. وإن كان لضرورة تلحق المرأة أو الرجل وليس فرارا عن قضاء الله وقدره وخوف الفقر فهذا جائز لأدلة الفريق الأول والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>