للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: قد سبق ذكرنا لقواطع الإنجيل على جسمية الشيطان «١»، ومناقشتنا له في قوله: الشياطين بسائط مجردة عن المائدة" ومع جسميتهم لا يمتنع الضحك والأكل وسائر خواص الأجسام منهم. وأما قوله:" إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب" ومعنى كونه من الشيطان فله تأولان:

أحدهما: ذكره الخطابي «٢»، وهو أن العطاس يكون عن خفة البدن من الطعام، والتثاؤب عن ثقله به «٣». فالحب والكراهة راجعان إلي سببيهما «٤»، وهما قلة الأكل وكثرته الموجبان لخفته وثقله «٥» لا إلى ذاتيهما «٦».

الثاني: أن العطاس يتعقبه حمد الله. وذكره بخلاف التثاؤب، فلذلك فرّق بينهما في الحب والكراهة، وعدم ذكر الله من أخلاق الشيطان، وما يؤثره، فلذلك قيل في التثاؤب: إنه من الشيطان.


(١) انظر ص: ٤٠٩ من هذا الكتاب.
(٢) تقدمت ترجمته ص: ١٧٦ من قسم الدراسة.
(٣) به: ليست في (م).
(٤) في (م): إلى سببهما.
(٥) قال ابن بطال:" إضافة التثاؤب إلى الشيطان: بمعنى إضافة الرضى والإرادة. أي: الشيطان يحب أن يرى الإنسان متثائبا، لأنها حالة تتغير فيها صورته فيضحك منه.
وقال ابن العربي:" إن كل فعل مكروه نسبه الشرع إلى الشيطان لأنه واسطته. وإن كل فعل حسن نسبه الشرع إلى الملك، لأنه واسطته، والتثاؤب إنما يحدث عن الامتلاء، وينشأ عنه التكاسل.
وذلك بواسطة الشيطان، والعطاس من تقليل الغذاء، وينشأ عنه النشاط، وذلك بواسطة الملك.
والله أعلم" [مختصر سنن أبي داود وتهذيب ابن القيم ٧/ ٣٠٣].
(٦) انظر معالم السنن للخطابي بهامش مختصر سنن أبي داود، ومعه تهذيب ابن القيم (٧/ ٣٠٣).
والطوفي نقل كلام الخطابي بمعناه لا بلفظه.

<<  <  ج: ص:  >  >>