الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد: فإن طلب العلم من أشرف الأعمال وأجلها، ولهذا أثنى الله سبحانه وتعالى على أهل العلم، فقال سبحانه وتعالى:{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}[المجادلة:١١]، وأشهدهم على أكبر قضية في الوجود، وهي: توحيده، فقال سبحانه وتعالى:{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[آل عمران:١٨].
قال عليه الصلاة والسلام:(من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين).
والفقه في الدين والفهم له يقتضي العمل به، ولهذا يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه:(العلم يهتف بالعمل؛ فإن أجاب وإلا ارتحل).
فطلب العلم له أهمية كبرى في حياة الإنسان الخاصة والعامة؛ ولهذا ينبغي علينا أن نعتني به ونحيي مجالسه، ونهتم بمذاكرته في كافة التخصصات، ولعل من أبرز العلوم التي ينبغي على طالب العلم أن يعتني بها: علم العقيدة؛ فهي التي يصح بها دين الإنسان، وهي أصل الدين وأساسه، ولا غنى للإنسان عنها، خصوصاً في هذا الزمان الذي كثر فيه الخلاف، والنزاع، وكثرت فيه الطوائف والجماعات، والفرق والمذاهب والآراء والفلسفات.
هذا الوقت أحوج ما يكون فيه طالب العلم إلى معرفة العقيدة الصحيحة التي يأخذها من كتاب الله عز وجل ومن سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
ولعل هذا الدرس -بإذن الله تعالى- يؤدي جزءاً من هذا الغرض، وهو متن صغير لطيف لعالم من أكبر علماء أهل السنة، وهو: شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام الحنبلي الحراني ابن تيمية رحمه الله، وهو عالم مشهور معروف، له مصنفات كبرى سارت بها الأخبار، وأصبحت معلماً من معالم الإسلام، ولعل من أكبر مصنفاته، كتابه العظيم: درء تعارض العقل والنقل، وقد طبع في أكثر من عشر مجلدات، وله: منهاج السنة النبوية في الرد على الشيعة القدرية، وله رد خاص على النصارى في كتاب: الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، وله كتاب كبير لم يطبع بعد وهو من أنفس كتبه رحمه الله وهو: بيان تلبيس الجهمية، وقد يسمى: نقض التأسيس، وهو رد على كتاب لإمام الأشعرية الثاني الفخر الرازي في كتابه المشهور: أساس التقديس، والذي بدأه بقانون من أعظم القوانين التي عارضت نصوص الكتاب والسنة وهو القانون الكلي العقلي.
وهذا المتن الذي بين أيدينا لشيخ الإسلام ابن تيمية العالم الموسوعي الذي كان يتقن اللغة العبرية بالإضافة إلى اللغة العربية: هو عبارة عن منظومة صغيرة نظمها رحمه الله في ستة عشر بيتاً تقريباً، وقد اشتملت على أهم المسائل العقدية، وسيكون شرحنا لها بإذن الله تعالى على ثلاث نقاط: النقطة الأولى: شرح مختصر للمعاني العامة.