من القواعد المتعلقة بأدلة الصفات: أن الصفات تؤخذ من النصوص الشرعية من القرآن ومن السنة، فتؤخذ من القرآن ومن صحيح السنة، فالقرآن دل على الصفات وصحيح السنة دلت على الصفات، ومن السنة تؤخذ من المتواتر ومن الآحاد أيضاً، فالآحاد يدل على العقيدة كما يدل على الأحكام ولا يجوز أن يقال إن أخبار الآحاد لا تؤخذ في العقائد، فهذا قول باطل وهذه بدعة وضلالة، ولهذا أفرد الإمام البخاري رحمه الله كتاباً خاصاً في صحيحه سماه كتاب: أخبار الآحاد، وأورد فيه من الأدلة ما يدل على وجوب قبول العقيدة من أخبار الآحاد، ومن الأدلة على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما أرسل إلى هرقل وإلى كسرى وإلى المقوقس وإلى ملك اليمن وملك البحرين أرسل إليهم أفراداً يدعونهم إلى التوحيد، والتوحيد هو أساس العقيدة، ولم يشترط النبي صلى الله عليه وسلم إرسال عدد التواتر، ولم يشترط من يرسل إليه عدد التواتر أيضاً، فليس هناك داع إلى اشتراط عدد التواتر، ثم إذا كان الآحاد مقبولاً في باب الأحكام ويتعبد الإنسان لله سبحانه وتعالى بها فالتفريق بين الأحكام والعقائد ليس له معنى، فنحن نتعبد لله عز وجل بالعقائد الصحيحة أيضاً من خلال أخبار الآحاد، يقول الله عز وجل:{فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}[التوبة:١٢٢]، قال:(وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ) والإنذار هنا كلمة عامة تشمل الإنذار ببيان الأحكام وتشمل أيضاً الإنذار ببيان العقائد، مع أنه ذكر أن هناك طائفة والطائفة تشمل الفرد الواحد كما قال الإمام البخاري، ولهذا فقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل إلى اليمن وهو فرد واحد وقال:(إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله)، وهذه هي العقيدة، فأرسل إليهم معاذاً ومع هذا لم يقل أهل الكتاب إنه يشترط عدد التواتر، وعدم قبول أخبار الآحاد في العقيدة بدعة وضلالة يجب الحذر والتحذير منها، فهي إلغاء لعدد كبير من أحاديث الوحي.
معنى عدم قبول أخبار الآحاد في العقيدة: أن نصف أدلة العقيدة بعدم القبول.
وأهل الكلام لم يكتفوا بالقول بأن خبر الآحاد لا يقبل في العقيدة، بل حتى الأخبار المتواترة عندهم لا تقبل؛ لأن مدلولاتها ودلالاتها لفظية، والدلالات اللفظية لا تقتضي اليقين حتى تتجاوز عشر عقبات ذكرها الرازي في محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين، منها: ألا تقتضي الاشتراك، ومنها: عدم اقتضاء المجاز، ومنها: عدم وجود المعارض العقلي، ولو لم يوجد إلا المعارض العقلي لكان كافياً في رد هذه الأخبار، إذاً هؤلاء لا يرجون لله وقاراً، ولا يعملون بالأدلة القرآنية، ولا يعملون بالأخبار النبوية، فالأخبار النبوية مردودة عندهم؛ لأنها آحاد، والآيات القرآنية مردودة؛ لأن مدلولاتها ظنية، ولأن ما تدل عليه ظن، والأصل عندهم هو العقل، ولهذا فإن السلف لم يسموا هؤلاء بالعقلانيين؛ لأنهم ليسوا عقلانيين في الحقيقة، وإنما هم أهل أهواء، فسموهم أهل الأهواء والبدع، فينبغي التنبه في مثل هذه الحالة.