[موقف أهل السنة من المصطلحات المتعلقة بالصفات ونحوها]
والمهم في الاصطلاح هو أن يكون التقسيم منضبط وأن تكون المعاني الداخلة في التقسيم معانٍ صحيحة، وليست باطلة، ولهذا لم ينكر علماء السلف أقسام أصول الفقه، ولم ينكروا الأقسام الموجودة في النحو ولا البلاغة ولا أي علم من العلوم، فلم ينكروا الأقسام لأنها أقسام، ولم ينكروا المصطلحات لأنها مصطلحات، وإنما أنكروا المصطلحات التي تتضمن معاني باطلة مثل مصطلحات علماء الكلام ومصطلحات الصوفية، فهذه المصطلحات لم ينكرها السلف لكونها مصطلحات جديدة وإنما أنكروها لتضمنها معنى باطلاً.
ولا بد من الإشارة إلى قاعدة مهمة جداً في التعامل مع مصطلحات أهل الكلام والصوفية، وهي أنه إذا سمعت مصطلحاً من مصطلحات أهل الكلام فيجب عليك أن تستفصل، ولا يصح أن تنفيه مطلقاً ولا أن تثبته مطلقاً، فإذا جاءك أحد أهل الكلام وقال: هل تعتقد أن الله جسم؟ لا تقل مباشرة: لا، ليس جسماً، ولا تقل: نعم، بل يجب أن تستفصل، وتقول: ماذا تعني بالجسم، إن كنت تعني بالجسم المعنى اللغوي المعروف عند العرب وهو أن الجسم معناه البدن، فالله عز وجل ليس بجسم إذا كان هذا معناه؛ لأنه لو قلنا أنه جسم بهذا المعنى نكون قد جئنا بشيء لم يرد في القرآن والسنة هذا الأول، والأمر الثاني شبهناه بالمخلوق الذي له بدن، وإن كنت تعني بالجسم معنى غير المعنى الموجود في لغة العرب وجعلت الجسم هو كل صفة، وجعلت كل موصوف بصفة فهو جسم، فالكتاب جسم والميكرفون جسم واللمبات جسم، بل الهواء جسم والماء جسم، وكل مركب من أمرين فهو جسم، سواء كان مادياً أو معنوياً، فحينئذٍ نقول: هذا مصطلح جديد ومقتضى هذا المصطلح أن تنفي الصفات، وإذا قلنا: إن لله يدين وعلم، وله حياة، وإن الله ينزل، قالوا أنتم جعلتموه جسماً مركباً من هذه الأشياء، فنقول: هذا مصطلح جديد فاسد، والنصوص الشرعية تدل على بطلانه؛ لأنها جاءت بإثبات الصفات حتى ولو كانت كثيرة فالواحد يمكن أن يوصف بأوصاف كثيرة، ولهذا تعريف الواحد عند علماء الكلام: هو الذي لا يوجد له نظير عند العرب ولا يفهمه العرب أصلاً، والواحد عندنا: هو الواحد الذي لا يوجد ثان مشابه له فيقال: رجل واحد، ويقال: فرس واحد، ويقال: بيت واحد، ومعنى فرس واحد أنه لا يوجد فرس ثانٍ معه، ورجل واحد أي: ليس معه رجل ثانٍ، وهذا معنى الواحد في لغة العرب، ولهذا يقول الله عز وجل:{ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا}[المدثر:١١]، فسمى الوليد بن المغيرة وحيداً، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل أنه لا يجوز له أن يصلي بالثوب الواحد، فالمقصود بالواحد هو الفرد، أما الواحد عند علماء الكلام فهو ما ليس بمركب، فهم لا يسمون الإنسان واحداً، لأنه -مثلاً- يلبس الشماغ، وهذه صفة، ولأن له يدين وهذه صفة ثانية، ولأن له عينين وهذه صفة ثالثة، ولأن له رجلين، وهذه صفة رابعة، ولأنه أسمر أو أبيض وهذه صفة خامسة، ولأنه يتحرك وهذه صفة سادسة، ولأنه يتكلم وهذه صفة سابعة، وتعداد الصفات عندهم يدل على أنه ليس بواحد، مع أننا نقول في لغة العرب: هذا واحد مع اتصافه بأكثر من صفة، فلا يعني كون الواحد واحداً أنه ليس موصوفاً بصفة، وإنما يمكن أن يكون الواحد موصوفاً بأكثر من صفة، فالله عز وجل عندما قال:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}[الإخلاص:١]، يعني: أن الله واحد لا شريك له في صفاته وأفعاله وعبادته سبحانه وتعالى، أما هم فقالوا: واحد في ذاته لا قسيم له، وقصدوا بمعنى واحد في ذاته أنه ليس موصوفاً بصفة، فإذا قلنا إن لله يدين، قالوا: هذا يدل على أنه مركب، وإذا قلنا إن لله عز وجل يدين وعينين وأنه سبحانه وتعالى حي وأنه سبحانه تعالى يعلم وأنه سميع بصير وأنه يضحك وأن له هذه الصفات، قالوا: بهذه الصفات ليس واحداً، فيعتبرون اليد واحدة، والعلم واحد، والحياة واحد وهكذا، وبسبب هذا الاصطلاح الجديد أولوا كل هذه الصفات، ولهذا لا يجوز للإنسان أن يقبل اصطلاح أهل الكلام مطلقاً ولا أن يرده مطلقاً، فهم يقولون مثلاً: هل تعتقد أن الله في جهة؟ فلا بد أن تقول: ماذا تعنون بالجهة، إن كنتم تعنون بالجهة مكاناً محصوراً، فالله عز وجل ليس في جهة بهذا المعنى، وإن كنتم تعنون بالجهة جهة العلو المطلق فالله عز وجل أثبت لنفسه العلو المطلق.
وهكذا الفناء عند الصوفية، فالفناء له أكثر من معنى عندهم فقد يقصدون بالفناء أن العابد أثناء عبادته يفنى عن نفسه فلا يشاهدها حتى يتحد مع الخالق فيصبح الخالق والمخلوق واحداً، وحينئذ يكون الفناء معنى فاسداً مناقضاً لأصول الدين، ونحن لا نقبل الفناء بهذا المعنى، بل هو كفر وردة ومخالف لشريعة الله عز وجل، وقد يقصد بالفناء معنى آخر وهو أن الإنسان أثناء قيامه بالعبادة قد ينشغل بها ويتعلق قلبه بها إلى درجة أنه قد لا يشعر بمن حوله وهذا لا مانع منه، ولهذا جاء في قصة التابعي الجليل عروة بن الزبير -على القول بصحتها- أنه قطعت رجله في الصلاة، وهذا يدل على أنه إذا صلى فإنه لا يشعر بما حوله وهذا نوع من الفناء ولا بأس به ول