المسألة الثالثة: مصدر التلقي في العقيدة عموماً والصفات خصوصاً.
نتلقى العقيدة من القرآن والسنة؛ لأن الله عز وجل أمرنا باتباع كتابه وسنة رسوله، {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[آل عمران:١٣٢]، وقد جاء في أكثر من ثلاثين آية الأمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك قول الله عز وجل:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}[الحشر:٧]، وهذا يشمل كل شيء.
ويقول الله سبحانه وتعالى:{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}[النساء:٦٥].
والله سبحانه وتعالى توعد من خالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالعقاب فقال:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[النور:٦٣].
ويقول الله عز وجل:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}[الأحزاب:٣٦]، وأدلة كثيرة تدل على وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو صلى الله عليه وسلم يقول:(عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار)، ويقول عليه الصلاة والسلام:(من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) وقال في لفظ أعم منه: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) وهذا يشمل العمل والاعتقاد، والأول خاص بالعمل.
والعقل ليس مصدراً في تلقي العقيدة لكن الله عز وجل استدل في القرآن وذكر أدلة عقلية على المطالب الإلهية، فهناك أدلة على وجود الله عز وجل وأدلة على البعث، وأدلة على الصفات، وأدلة على التوحيد، وأدلة على النبوات، وأدلة على الجزاء الأخروي، والقرآن مليء بالأدلة العقلية الصحيحة مثل قوله تعالى:{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ}[الطور:٣٥]، وهذا دليل عقلي منضبط، ولهذا قد يتصور كثير من الناس أن أهل السنة والجماعة لا يستعملونه، والحقيقة أنهم يستعملون العقل لكن في مجاله المحدود، ولهذا قال العلماء: إن علاقة العقل مع النقل مثل علاقة الضوء مع العين، فالعقل مثل العين والنقل مثل النور، فإذا لم يوجد نور فلا ترى العين، ولا يكون لها فائدة، وإذا كان هناك نور بدون عقل، فإنه لا يمكن للإنسان أن يرى شيئاً، فلا بد أن من اجتماع العقل مع النقل ولا يمكن أن يتعارضا، ولهذا ألف ابن تيمية رحمه الله كتاباً في تعارض العقل والنقل توصل فيه إلى أن النقل الصحيح لا يمكن أن يعارض العقل، وأنه إذا توهم إنسان التعارض فهو إما أن يكون النقل غير صحيح أو العقل غير سليم وصحيح أو صريح، فوجود التعارض في غاية المحال؛ لأن خالق العقل هو الله عز وجل والذي جاء بالنقل هو الله سبحانه وتعالى، ولا يمكن أن يحصل خلاف بين خلقه وأمره، {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ}[الأعراف:٥٤].