الصحابي: مأخوذ من الصحبة، والأصحاب والصحبة والصحابة تطلق على من صحب أحداً قليلاً كان أو كثيراً، فإذا قيل: فلان صحب فلاناً، فمعنى هذا: أنه التقى به ولو لساعة من زمان، فلا يشترط في مدلول الصحابة كثرة المقابلة، أو أن يجلس معه سنة أو سنتين، فليس هناك حد معين للصحبة حتى يسمى صحابياً، ولهذا لا يصح التعريف الذي نقل عن سعيد بن المسيب -ويبدو أنه لا يصح عنه سنداً- قال: لا نعد الصحابة إلا من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة أو سنتين، وغزا معه غزوة أو غزوتين، هذا التعريف ليس بصحيح، فكل من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به، ومات على ذلك يعتبر من الصحابة، وليس هناك حد لأقل اللقيا، فلو جلس معه ساعة واحدة فقط، سواء روى عنه أو لم يروِ عنه، غزا معه أو لم يغزُ معه؛ فهو من الصحابة.
والدليل على هذا: أن مدلول الصحبة في اللغة يطلق على الكثير والقليل، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في النساء:(إنكن صواحب يوسف)، والمعنى: إنكن كصواحب يوسف اللاتي قطعن أيديهن وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا، وهن لم يحصل لهن لقاء مع يوسف عليه الصلاة والسلام إلا بمجرد أنه دخل إليهن، ونظرن إليه وقطعن أيديهن، فبمدلول اللغة يمكن أن تطلق الصحبة على اللقيا كثرت أو قلت، فلا يأتي شخص ويقول: ما هو حد الصحابة؟ هل بمجرد أن ينظر رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة يصبح من الصحابة؟ نقول: نعم حتى لو لم يغزُ معه حتى لو لم يروِ عنه حديثاً واحداً حتى لو كان النبي صلى الله عليه وسلم نفسه لا يعرفه معرفة تفصيلية.
وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(لا تسبوا أصحابي)، فأطلق كلمة أصحابي.
وإذا حللنا الحديث لا بد أن نرجع إلى معناها اللغوي، وهل هناك تحديد شرعي من الرسول صلى الله عليه وسلم بأن من عاش معه سنة فهو من الصحابة، ومن لم يعش معه كذلك فليس من الصحابة؟ ليس هناك تحديد شرعي لذلك، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يحدد وقتاً أو عدداً من اللقاءات لمن يسمى صحابياً، وهناك قاعدة شرعية نفيسة وهي: أن الأصل في المعاني الشرعية الرجوع إلى الحقيقية الشرعية، ومعنى الحقيقية الشرعية هي ما دل الشرع عليه من الحدود والأقسام والمعاني والاصطلاحات، فالأصل الأخذ بالشرع، فإن لم نجد لهذا المصطلح أو المدلول معنى محدداً في الشرع، نرجع إلى المعنى اللغوي -الحقيقية اللغوية- فإن لم يكن هناك في لغة العرب معنى محدداً للمدلول أو المصطلح نرجع للعرف الذي تعارف الناس عليه.
ولهذا في مسافة السفر لم يرد هناك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يحدد مسافة معينة، ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: من سافر مائة كيلو أو كذا وكذا من الأميال فإنه يكون مسافراً، وما كان أقل من ذلك فإنه ليس بمسافر، فلم يأت في القرآن أو السنة ما يحدد مسافة القصر، فنرجع إلى اللغة، فلا نجد أن العرب حددوا مسافة محددة وضبطوها وجعلوا هذا سفراً وما عداه ليس بسفر، فنرجع حينئذٍ إلى عرف الناس، فما تعارف الناس عليه بأنه سفر فهو سفر، وما لم يتعارف عليه الناس فليس بسفر، فقديماً كان الذهاب إلى مكة يعتبر سفراً، ويحتاج إلى شد رحال، وإلى وقت طويل ذهاباً وإياباً.
أما الآن فالناس يذهبون دائماً إلى مكة، ولهذا لا يعتبروا مكة سفراً، فلا يقول أحدهم: إني أريد أن أسافر إلى مكة.
وهكذا مدلول لفظة:(الصحابة) فقد وردت في كلام النبي صلى الله عليه وسلم مطلقة، ولم يحدد لها النبي صلى الله عليه وسلم مجموعة من اللقاءات، أو فترة معينة من أجل أن يسمى هذا صحابي وهذا ليس بصحابي.
فنعود إلى المعنى اللغوي، وقد سبق أن قررت: أن المعنى في لغة العرب: كل ما اقتضى اللقيا فهو صحبة، وصحبت فلاناً، يعني: لقيته ولو ساعة واحدة.