الصحابة ممدوحون في نصوص الكتاب والسنة سواء كثرت صحبتهم أو قلت.
من ذلك: قول الله عز وجل: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ}[البقرة:١٤٣] فقوله: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) يعني: وكذلك جعلناكم أمة خيرة، ليس المقصود التوسط في الزمان، فإننا في آخر الزمان، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب قبلنا)، وخير هذه الأمة: هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
ويقول الله عز وجل:{وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[التوبة:١٠٠]، فقوله:(وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ) المراد به الصحابة رضوان الله عليهم من المهاجرين الذين أسلموا قبل الهجرة وهاجروا، ومن الأنصار الذين تبوءوا الدار والإيمان، كما أخبر الله سبحانه وتعالى في سورة الحشر:{وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ}[التوبة:١٠٠].
الصحابة في هذه الآية موصوفون بثلاثة أوصاف: المهاجرون: وهم الذين هاجروا من مكة -وقد كانت بلد كفر- إلى المدينة وهي بلد إسلام في ذاك الزمان، والأنصار: وهم الذين استقبلوهم، {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ}[الحشر:١٠]، المقصود بهم: مسلمة الفتح بعد أن انقطعت الهجرة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:(لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية)، فبعد أن فتحت مكة لم تعد مكة دار هجرة ودار كفر، ولهذا أخذ الحافظ ابن حجر من هذا الحديث فائدة جليلة، قال: إن مكة لا يمكن أن تنقلب في يوم من الأيام إلى دار كفر، ولا يمكن أن يحكمها الكفار، ولا يمكن أن تستعمر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:(لا هجرة بعد الفتح)؛ لأنه لو كان هناك إمكانية أن تستعمر مكة، وأن يستقر فيها الكفار ويحكمونها ويحتلونها، لما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(لا هجرة بعد الفتح)؛ لأنها ستكون حينئذٍ مكان هجرة.
وقوله:{وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ}[التوبة:١٠٠] المقصود بهم: مسلمة الفتح، وهم الطلقاء الذين قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم:(ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم، وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء)، فهم الذين أسلموا بعد الفتح، وهذه الآية تنزل عليهم، وهي قوله:{وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ}[التوبة:١٠٠] إلى آخر الآية، كل ذلك مدحاً لهم، فإنه قال:(رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ)، وهذا يشتمل على أوصاف: الوصف الأول: رضا الله عنهم، والوصف الثاني: رضاهم عنه، والوصف الثالث:((وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا))، ثم قال:{ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[التوبة:١٠٠].
ويقول الله عز وجل في فضل الصحابة:{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ}[الفتح:٢٩]، فهذه الأوصاف في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلها أوصاف مدح وثناء لهم، ولهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفس محمد بيده! لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مثل مُدّ أحدهم ولا نصيفه)، وهذا عام في الصحابة جميعاً.
وما ورد في سبب هذا الحديث من كون خالد بن الوليد رضي الله عنه كان بينه وبين عبد الرحمن بن عوف شيء فتكلم عليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث، فلا يصح، فإن هذه الرواية شاذة.
والصحيح: أن هذا الحديث باقٍ على عمومه، وأنه شامل لكل أنواع الصحابة رضوان الله عليهم.