للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[كلام الله تعالى بحرف وصوت]

والذي عليه منهج السلف الصالح رضوان الله عليهم: أن كلام الله يكون بحرف وصوت، وأنه مرتبط بمشيئة الله عز وجل فيتكلم متى شاء، ويسكت إذا شاء سبحانه وتعالى، وقد تكلم قديماً ويتكلم الآن ويتكلم يوم القيامة، فهي صفة من صفات الكمال يفعلها الله عز وجل متى شاء كيف شاء سبحانه وتعالى، والدليل على أن كلام الله يكون بحرف حديث ابن مسعود المشهور: (من قرأ حرفاً من كتاب الله كتب له عشر حسنات ثم قال: لا أقول: الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)، فهذا يدل على أن القرآن أحرف، وأن القرآن يتفاضل أيضاً، فبعضه أفضل من بعض، فسورة الفاتحة هي أفضل ما في القرآن كما جاء في حديث أبي سعيد بن المعلى، وآية الكرسي هي أفضل آية في كتاب الله، وسورة البقرة وآل عمران تأتيان يوم القيامة كغمامتين أو غيايتين أو فرقان من طير صواف كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وتحاجان عن صاحبهما يوم القيامة، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:١] تعدل ثلث القرآن، فهذا يدل على أن القرآن يتفاضل بناء على تفاضل معناه، فإن كل سورة أو آية مما سبق الإشارة إليه معناها مختلف عن مثلاً سورة: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد:١]، أو عن أي سورة أخرى في القرآن كالنمل والنحل وغيرها، ولهذا فكلام الله سبحانه وتعالى حروف وأصوات أيضاً.

والدليل على أن كلام الله عز وجل بصوت: التعبير بالنداء في الآيات التي تبين كلام الله عز وجل، يقول الله عز وجل: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص:٦٥]، والنداء في لغة العرب هو الكلام بالصوت، فلا يقول أحد من العرب: أن الكلام الذي يكون في النفس يسمى نداءً، وأن خواطر النفس تسمى نداءً.

ويقول الله عز وجل: {وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} [مريم:٥٢]، ويقول: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى} [طه:١١] والذي ناداه هو الله عز وجل؛ لأنه قال: {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى} [طه:١٢]، فالنداء هنا كان من الله عز وجل لموسى عليه السلام، والنداء لا يكون إلا بصوت، وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يبعث الله الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلاً بهماً، قيل: وما بهم؟ قال: ليس معهم شيء، فيناديهم بصوت يسمعه من قرب كما يسمعه من بعد: أنا الجبار، أنا الملك)، فقوله: (فيناديهم بصوت) صريح في أن لله عز وجل صوتاً يختلف عن صوت المخلوقين، كما أن الله عز وجل في ذاته يختلف عن ذوات المخلوقين، وكلامه مختلف عن كلام المخلوقين.

<<  <  ج: ص:  >  >>