ولكن الكافرين أنكروا أن يكون في شيء من آي القرآن ما يدلّ على صدق محمد صلّى الله عليه وسلّم في دعوته، وادّعوا أنه كتاب كغيره ليس فيه ما يعجز عن الإتيان بمثله، وأعرضوا عنه قائلين ما نقله الله عن لسانهم:
... قَدْ سَمِعْنا، لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا، إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (الأنفال: ٣١)، وحينئذ تحدّاهم الله- أو قل تحدّاهم القرآن إن شئت- أن يأتوا بسورة من مثله. وأفرغ هذا التحدي في قوالب مختلفة من اللفظ والأسلوب، وأنهضهم إلى الإتيان بمثله أو بمثل أقصر سورة منه، بالتقريع والتحميس ومختلف أشكال التّحدي فقال لهم مرة:
وقال لهم مرة أخرى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً (الإسراء:
٨٨).
وقال لهم مهيجا ومقرعا: أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ، بَلْ لا يُؤْمِنُونَ. فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (الطور: ٢٣ و ٢٤).
وقد كان من مقتضى قولهم: لو نشاء لقلنا مثل هذا، وما سمعوه من هذا التقريع والتحدي وما كان يعتلج في صدورهم من الحقد والكراهية لهذا الذي جاءهم، النبي صلّى الله عليه وسلّم، وما كانوا منصرفين إليه من البحث الدائب عن أيّ وسيلة يمكن الاعتماد عليها، لإفساد أمره عليه ومنع دعوته من السير في طريق النجاح- نقول: كان من مقتضى ذلك كله أن ينهضوا لمعارضته ومجاراته بفصول من كلامهم البليغ، ليقطعوا بذلك خطره عنهم وليعلنوا بذلك لمن قد يتحدث بهذا الذي يأتيهم به من القرآن، أنهم قد جاءوا بمثله وخير منه.
ولكنهم- على الرغم من كل هذا- لم يفعلوا شيئا، ولم يستجيبوا لتحدي القرآن الكريم في محاولة ما، غير أنهم تحولوا عن قولهم السابق: لو نشاء لقلنا