ومن النوع الثاني: آيات تحدّثت عن أشخاص بأعيانهم، أنبأت عن مصائرهم، وكشفت عن حكم الله المبرم في حقهم. من ذلك قول الله تعالى عن أبي لهب عبد العزّى بن عبد المطلب عم الرسول صلّى الله عليه وسلّم: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ، ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ. سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ إنك إذا تأملت هذه الآيات وما قد تضمنته من إخبار
عن مستقبل هذا الرجل وما سيئول إليه حاله، علمت أن أحدا من الناس لا يملك أن يطلق هذا الوعيد ويسجله في عنق الزمن وعلى صفحة الدهر. فما الذي يدري هذا الإنسان أن أبا لهب سيثبت على كفره إلى الموت، وما هي ضمانات أنه لن يؤمن كما آمن الكثير ممّن هم أشد منه كفرا وأقسى عنادا؟ بل ما الذي يطمئن هذا الإنسان إلى أن أبا لهب لن ينهض به دافع التحدّي عند ما يسمع هذا الوعيد المسجل في حقه إلى أن يعلن إيمانه بالله ورسوله على الملأ، ليثبت بذلك أنه قد محا أسباب شقوته، وأن إخبار القرآن عن مصيره مخالف للواقع الذي تم.
إن بشرا من الناس لن يستوثق من تقلبات الزمن، وما قد يطرأ من الأحوال والأفكار الجديدة على أبي لهب وأمثاله، ونظرا لذلك فلن يجد من الجرأة ما يعتمد عليه في إطلاق مثل هذا الخبر الغيبي المخبوء في تلافيف المستقبل.
ومثله قول الله عزّ وجلّ في حق الوليد بن المغيرة المخزومي:
إن هذا الإخبار الغيبي: سأرهقه صعودا ... سأصليه سقر ... ليس مما يتجرأ إنسان عليه لأن الإنسان يفرض الاحتمالات المختلفة للزمن، والأطوار المفاجئة العجيبة للإنسان، وهو ليس مطّلعا على ما قد يأتي به الغد أو ما قد يفاجأ به فكر الإنسان. ولكنه إخبار غيبي يصدر عمّن بيده مصير الزمن والمكان، وعمّن يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور وما ينتهي إليه حال أيّ إنسان.