وتدخل في هذا النوع تلك الآيات التي أخبرت عن اليهود وما قضى الله بشأنهم إلى قيام الساعة كقوله تعالى: وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ، كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً (المائدة: ٦٤). وكقوله: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ (الأعراف: ١٦٧). وكقوله عزّ وجلّ: وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ ... (الأعراف: ١٦٨).
وأنت إذا نظرت إلى تاريخ اليهود في العالم، وإذا تأملت ظاهرة انتشارهم وتفرقهم بين الأمم والشعوب، وكيف يختبئون خلف كل فتنة يهيجونها، ووراء كل نار يوقدونها، وكيف يبعث الله عليهم بين الحين والآخر من يسومهم سوء العذاب، وكيف أنهم- على الرغم من مراسهم لأسباب الفتن والحروب وسيطرتهم على الكثير من أسواق العالم وتجاراته- لم يأتوا من جهدهم بطائل، ولم تقم لهم قائمة يطمئنون إليها، بل ظلوا مقطعين في الأرض. أقول: إذا تأملت في ذلك كله أدركت أن إخبارات القرآن عنهم وقعت كما أخبر، وأن الزمن ماض في تحقيق المزيد منها.
إنك لتلاحظ تناقضا عجيبا في واقع اليهود وشأنهم الذي يتقلبون فيه.
فهم الذين يملكون ينابيع كثير من الثروات في العالم، وهم الذين كانوا ولا يزالون يلعبون بالذهب في أسواق العالم خفضا له ورفعا، وهم الذين يختبئون خلف الكثير من سياسات العالم وقياداته يوجهون وينذرون ويغرون ...
ولكنك تلاحظ أنهم- على الرغم من هذا كله- لم يستطيعوا أن ينشئوا لأنفسهم دولة مستقرة أو كيانا مطمئنا، وإن الأمم التي أنشأت كياناتها واستقرت في أوطانها، وصلت إلى ما ابتغته من ذلك منذ عصور بعيدة، باليسير مما يملكه اليهود ويسيطرون عليه.
فما تحليل هذا التناقض؟ ... تحليله الوحيد أن الأمر في جملته تصديق أمين لحكم الله فيهم ووعيد الله لهم، إنه قرار الله عزّ وجلّ: وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً يلاحقهم في كل حين وعلى كل حال. وأنه حكم الله عزّ وجلّ: وَإِذْ