فتأمل في هذه الآيات التي يتجلى فيها جلال الربوبية، ثم قل لي: أفتجد أن مثل هذا الكلام مما يمكن لبشر من الناس أن يصطنعه اصطناعا وأن ينطق به تمثيلا أو أن يتحلى به تزويرا؟
أمّا إنّ الطبع لغلّاب، وليقم أي فرعون من الفراعنة المتألهين أو المتجبرين، ثم ليجرب أن ينطق بمثل هذا الكلام الذي يتنزل من عرش الربوبية ويغمر النفس بالرهبة والجلال، فإن لسانه سيدور في فمه على غير هدى، وإذا تكلم فسيأتي بكلام يكشف بعضه بعضا فيه محاولة التمثيل وليست فيه صنعته إذ هو مما لا يسلس القياد فيه لتصنّع ولا لتمثيل.
إن بشرية الإنسان وضعفه يمنعانه- أيّا كان مسلما أو كافرا- من أن يقول: نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ أو يقول: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ أو أن يقول: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ. وإن هو حاول أن يقول شيئا من هذا فسيلتوي عليه لسانه ويتعثر بضعفه ومخلوقيته ثم لن ينجح في النطق بمثل هذا الكلام.
وانظر، فقد صوّر الله لنا بمحكم بيانه المعجز ألوهية فرعون الزائفة، وكلامه الذي حاول أن يبثّ فيه دعوى ألوهيته وربوبيته، وصوّر لنا من خلال ذلك كيف أن كلامه جاء تكذيبا لطموحه وربوبيته الزائفة. وذلك عند ما قال عنه: