مصالحهم وأسباب عيشهم، ويجمعهم على صراط من التحابب والتعاون، فكان من مقتضى ذلك أن يعرض لموضوع ثالث، هو: التشريع، وقد أوضح القرآن في عرضه لهذا الموضوع الأحكام المتعلقة بسائر المعاملات المدنية المختلفة، حيث قرر الأحكام المتعلقة بالبيوع والإيجار والشركات وعامة العقود المالية وغيرها، وقرر الأحكام المتعلقة بمختلف الأحوال الشخصية من زواج وطلاق وميراث وسائر ما يتعلق بذلك من أحكام الأسرة، وتحدّث عن الجنايات والجرائم المختلفة وعقوباتها، وعمّا ينبغي أن تكون عليه علاقة المسلمين، كدولة، بالدول والجماعات الأخرى. والحاصل أن القرآن قد عرض لعامة ما يسمى اليوم بالقوانين المدنية الجنائية، والنظم الدستورية والإدارية، والقانون الدولي.
غير أن طريقة عرض القرآن لهذه النظم والأحكام، اختلفت إلى ثلاث طرق وذلك حسب اختلاف متعلقات تلك الأحكام.
فمنها ما نصّ القرآن على حكمه بعبارات حاسمة واضحة منفصلة لا تعليق فيها ولا إبهام أو إجمال، وذلك مثل فريضة الميراث وحقوق كلّ من الورثة في مال الموروث، ومثل عقوبات بعض الجرائم كالزنا والسرقة والقذف وجريمة القتل وقطع الطرق؛ ومثل كثير من مسائل الأحوال الشخصية.
ومنها ما اكتفى ببيان حكمه من وجوب أو حرمة أو إباحة ... وعرّف بها إجمالا، ثم وكل إيضاح الشروط والصفات وكيفية التطبيق إلى بيان الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وذلك مثل عامّة العبادات من صلاة وصيام وحج وزكاة، ومثل كثير من أحكام المعاملات.
ومنها ما وضع فيه المبادئ الأساسية وقرر بحقه الأحكام الكلية ثم أناط تعيين الاحتمالات ووجوه التطبيق فيه بأعراف الناس وتطورات الزمن والأحوال.
ثم كان لا بدّ، لتقوم حياة الناس على مبدأ قويم ونظام صالح، ولتتوفر ضمانات تطبيق ما وضعه أمامهم من الأحكام التشريعية- من أن يحيا القلب الإنساني بمراقبة الله عزّ وجلّ في كل الظروف والأحوال وأن تقوم بين الناس