للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وشائج من الأخلاق الفاضلة والمحبة والإيثار وما إلى ذلك. فمن أجل ذلك عرض القرآن لموضوع رابع وهو: الأخلاقيات، فعني به عناية كبرى، وجعله من الثمرات الأولى للإيمان بالله عزّ وجلّ، وأوضح أن هناك تلازما شديدا بين عبودية الإنسان لله عزّ وجلّ والسلوك الأخلاقي الفاضل في المجتمع.

والطريقة القرآنية لعرض هذا الموضوع، أنه يربط بين مبادئ العقيدة والإيمان بالله عزّ وجلّ، والمبادئ السلوكية في الحياة، ويكشف عن التلازم الذي بينهما، وأن الثانية دائما نتيجة وثمرة للأولى.

فهو يوضح لك الرابطة المتينة بين اعتقادك بأنك عبد لله عزّ وجلّ، والتواضع ولين الجانب لإخوانك من الناس، ويأمرك بالثاني من حيث أمرك وألزمك بالأول فهو يقول مثلا: وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً (١).

وهو يوضح لك التلازم بين اعتقادك بأن الرزق إنما يأتي من عند الله عزّ وجلّ وبتقديره، وبأن المال هو مال الله جعل الناس خلفاء فيه، وبين ما ينبغي أن تلتزمه بصدد الإنفاق، من القصد في ذلك وعدم الإقتار ولا الإسراف، ويوضح لك أن الثاني نتيجة للأول دائما. فهو يقول: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً (٢) ثم يوضح أساس هذا الأمر قائلا: إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (٣).

أي فالقرآن يقوّم المعايير الأخلاقية تقويما دينيا، ويجعل وجه ضرورة الالتزام بها الإيمان بالله عزّ وجلّ بكل ما يستلزمه من توابع ومتممات، بل إنه ليهدد أولئك الذين يفضلون العثوّ والفساد في الأرض بأخلاقهم السيئة، بأن أفئدتهم وعقولهم لن تتفتح لفهم الحقائق وأنها ستظل منصرفة عن أن تعي شيئا


(١) الفرقان: ٦٣.
(٢) الإسراء: ٢٩.
(٣) الإسراء: ٣٠.

<<  <   >  >>