العجلى أن هذه الكلمات الثلاث: ملجأ، مغارات، مدّخل، مترادفة المعنى. ولكنها في الحقيقة ليست كذلك، بل كلّ منها تصوّر في الذهن شكلا معينا للملاذ الذي يبحث عنه المنهزم والخائف، بدءا من الشكل الطبيعي المألوف وهو الملجأ العادي من دار أو غرفة أو جماعة من الناس، إلى الشكل الذي لا يألفه ويرضيه إلا من اشتد خوفه وهو المغارة في باطن الأرض أو بطن الجبل، إلى الشكل الذي هو أبعد في القبول والإلف من كليهما وهو: المدّخل، أي المكان الضيق الذي لا يستطيع هذا الخائف أن يقتحمه إلا بجهد ولا يكاد أن يستقر فيه إلا تضاؤلا والتصاقا. وانظر كيف تؤدي كلمة «مدّخلا» هذه الصورة وتجسمها في الحسّ بوزنها وجرسها وشدة الدال فيها، ثم تأمل فيما تصوره في خيالك كلمة: لَوَلَّوْا إِلَيْهِ. ثم فيما تتركه كلمة: يَجْمَحُونَ من الصورة الضاحكة الساخرة، ثم تأمل في صورة هاتين الكلمتين، فمهما شرحت وفصّلت، فلن أبين أكثر مما يبينه خيالك وشعورك وأنت تتأمل جرسهما ووقعهما.
ثم ارجع النظر مرة أخرى إلى الجملة كلها لتبصر الريشة الإلهية العجيبة وهي تصوّر الهزيمة والجبن والقلق النفسي هذا التصوير المتحرك الساخر، وكيف تتجسد الصورة في خيالك حتى لتكاد العين الباصرة تراها واليد اللامسة تتقراها.
٤ - أخبر الله رسوله أن مسئولية كل عمل متلبسة بصاحبه خيرا كان أم شرّا؛ فلا يسأل إنسان عمّا لم يعلم، ولا ينبعث الشر من مصدر طيرة أو شؤم، وإنما ينبعث من فاعله الذي فعله. فتأمل كيف عبّر عن هذا المعنى: وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ، وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً (١). إذا تأملت في هذا التعبير، بعد أن علمت أن العرب في الجاهلية كانوا يرون في مظاهر بعض الأنواء والحيوانات والطيور سببا وباعثا للمصائب والشرور، تخيلت صورة إنسان قد تجمعت كل أسباب الشؤم والطيرة المختلفة فالتصقت به وتعلقت بعنقه، ليدل بذلك على أن الذي