للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٢ - أمر الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم إن هو التقى بجموع الكافرين الذين أصرّوا على عنادهم، أن يشتد في قتالهم حتى تحقيق بهم الهزيمة ويدخل في قلوبهم الرعب. فانظر إلى الأداة التي استعملها في التعبير عن هذا المعنى: فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ، فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ، لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (١). فقد أخرج معنى التلاقي الذي يكون بين المسلمين وأعدائهم، في صورة من ظل يتربص بشيء حتى ظفر به ووقع عليه وعبّر عن ذلك بقوله: تَثْقَفَنَّهُمْ بمجموع ما تحمله هذه الكلمة من الدلالة ومن الصياغة اللفظية، ومن تناسق السكنات والحركات والتشديد البارز بينها. ثم أخرج معنى إلحاق الهزيمة، في صورة فريدة عجيبة، هي صورة جند أقوياء أشدّاء انقضوا في هجوم صاعق على طلائع أعدائهم أو الصفوف الأولى منهم؛ فأخذ الرعب والفزع منهم كل مأخذ حتى سرى ذلك منهم إلى من خلفهم من بقية الجموع فتبعثروا في كل جهة قبل أن يصل إليهم السوء ويلامسهم.

لا ريب أنك إنما تتسمع إلى هذا الوصف بخيالك وإحساسك، ولا ريب أنك تتصوره الآن منظرا حيّا في فلاة واسعة، أو على مسرح يعجّ بالحركة الصاخبة. وقد استنفد

بيان هذه الصورة بضعة أسطر كما رأيت.

فتأمل كيف صاغها بيان التنزيل في أقل من سطر واحد! ..

٣ - وصف الله المنافقين بالجبن وبيّن أن ما يتظاهرون به من الشجاعة كذب، وأن الرعب سرعان ما يستولي على قلوبهم فينهزمون، لا يلوون على شيء.

فانظر كيف عبّر عن هذا المعنى: لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلًا، لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (٢).

فتأمل كيف بسط معنى الهزيمة والجبن على هذه اللوحة التصويرية الرائعة، وأخرج هذا المعنى الفكري في صورة جماعات من الناس تائهة زائغة العين لما سيطر عليها من الرعب، فهي تنقذف هنا وهناك بحثا عن المأمن والمهرب في حركات عجيبة غريبة. وقد يحسب صاحب النظرة


(١) الأنفال: ٥٧.
(٢) التوبة: ٥٧.

<<  <   >  >>