للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعض الأمثلة. ونقول، قبل عرض الأمثلة، كما قال المرحوم سيد قطب: إن الأمثلة على هذا الذي نقول هي القرآن كله حيثما تعرض لغرض من الأغراض، وحيثما شاء أن يعبّر عن معنى مجرد أو حالة نفسية، أو صفة معنوية، أو نموذج إنساني، أو حادثة واقعة أو قصة ماضية، أو مشهد من مشاهد يوم القيامة، أو حال من حالات النعيم والعذاب (١).

وإليك الآن هذه النماذج:

١ - أوضح الله لرسوله أنه لا جدوى من أن يضيق صدره بكفر الكافرين، وإلا فليجهد جهده وليعمل كل ما بوسعه في تقديم آية لهم، إن كان قادرا، يبرهن بها على صدقه ويدخل بها الإيمان في قلوبهم. فالتعبير عن هذا المعنى بمثل هذه الألفاظ أو نحوها مما هو مألوف ومقدور عليه، وهو معنى يخاطب به العقل والفكر مباشرة، ولكن انظر إلى التعبير القرآني:

وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى، فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ (٢).

فقد صوّر أولا التألم من إعراضهم، في صورة شيء قد كبر وضخم حجمه ينوء الرسول صلّى الله عليه وسلّم تحت ثقله ويضيق ذرعا به. ثم صوّر الجهد الذي لن يأتي منه بطائل إن هو أجهد نفسه به، بصورة من يريد أن يتخلص من كل الثقل العالق به، فهو ينبعث، في قلق وبحث دائبين، نحو كل الجهات، وخلف كل حجاب وستر، ليعثر على ما قد ينشط به من هذا العقال المتشبث به. فأنت ترى الآية قد أخرجت هذا المعنى الفكري في مظهر شيء محسوس، ثم بثّ فيه الحركة والحياة كما قد رأيت، ثم جسّمت الفكرة نفسها في هذه الصورة الحيّة المتحركة وخاطبت بذلك كله الخيال قبل أن تخاطب مجرد الفكر والذهن.


(١) التصوير الفني: ٣٠.
(٢) الأنعام: ٣٥.

<<  <   >  >>