للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الذي حمله إليه القوم مبشرين- أي متهكمين ومشفقين- بقوله: يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ، ثم صوّر الحيرة التي تراوده ويطوف بخاطره بقوله: أَيُمْسِكُهُ عَلى

هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ

. وردّد النظر والفكر في هذه الكلمة: يدسّه، لتبصر كيف أنها تشفّ عن الغيظ والعصبية والشدة وقد تلبست بها حالة الرجل وأعضاؤه، وكيف تصور لك الدفع المغتاظ للرحمة في مظهرها الضعيف المتألم المسالم! ..

٧ - أخبر الله الناس أنه ما من خبر من الغيبيات التي أخبر الله بها إلا وسيأتي يوم يتضح فيه صدقه ووقوعه كما أخبر به. فانظر إلى التعبير القرآني عن ذلك:

لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (١)، وأنا فما أذكر أنني قرأت هذه الآية مرة إلا وتخيلت أن في جو السماء شبحا يسبح في أنحائه لا يدري الناس ما هو، والكل رافع رأسه محدق بنظره يتأمله وكلّ منهم يتوهمه حسبما يخيل إليه؛ والجميع ينتظرون ساعة هبوطه واستقراره في الأرض ليعلموا حقيقته وليتخلصوا من أوهامهم وتخيلاتهم فيه. إن الله عزّ وجلّ يصوّر الإخبار عن قيام الساعة وما يلوذ بها من الغيبيات، بصورة هذا الشيء الذي ظاف حوله لغو كثير من القول، وأبى كثير من الناس أن يؤمنوا بحقيقته تبعا لما جاء من كلاب رب العالمين، ليقول لهم إن لهذا الشيء مكانا وزمانا يستقر فيهما عيانا أمام أبصاركم، ولسوف تعلمون حينئذ، دون أن يفيدكم العلم.

وتصوّر مثل هذا التصوير كلمة مُرْساها في قوله تعالى:

يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها، قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ ... (٢) فالساعة في تعبير الآية كالسفينة محجوبة عن الأعيان في غمار بحر عظيم متلاطم، والمنكرون يستعجلون في طلب إرسائها عند الشاطئ ليشاهدوا حقيقتها بأعينهم.

٨ - بيّن الله عزّ وجلّ أن الأموات سوف يبعثون من قبورهم وتعود إليهم الحياة


(١) الأنعام: ٦٧.
(٢) الأعراف: ١٨٧.

<<  <   >  >>