للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ليواجهوا جزاءهم، وأن ذلك يسير على الله عزّ وجلّ، فجاء التعبير القرآني عن ذلك بهذا الشكل: يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً، ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ (١). ولا ريب أنك إذا قرأت هذه الآية تصورت أمامك أرضا واسعة المدى تتشقق عن أشخاص هنا وهناك يخرجون منها ليسرعوا إلى حيث لا يدرون. أجل، فالآية تترك في ذهن القارئ هذه الصورة الحيّة المتحركة، ليتصور الأمر البعيد واقعا يشاهده أمام عينيه في بساطة ويسر.

٩ - قرّر الله عزّ وجلّ أن من سنّته في الكون أن يعرض الأمم للمصائب والمحن، فإن لم يتنبهوا بذلك للخضوع والتوبة والتضرّع إلى الله، غمسهم الله تعالى في أصناف الملذات، حتى إذا فرحوا بذلك واستغرقوا في لهوهم وانشغالهم عن الله أهلكهم الله على حين غرّة، فقال في ذلك: فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ، حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً، فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ (٢).

فانظر إلى قوله: فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ لكأن أسباب النعيم والترف واللذائذ ممتلئة في مخازن من وراء أبواب، فما هو إلا أن فتحت هذه الأبواب حتى اندلقت عليهم من كل جانب ومن كل نوع ..

ثم تأمل في قوله: فَأَخَذْناهُمْ وأي تصوير لضئلة شأنهم ونسيانهم أنفسهم أبلغ وأروع من هذه الكلمة: أخذناهم.

ثم انظر كيف يتقارب الزمن الطويل متحركا متنقلا من مشهد إلى آخر في هذه الآية، وذلك بوحي وتصوير تتابع هذه الأحرف والكلمات:

فَلَمَّا ... حَتَّى إِذا ... بَغْتَةً ... فَإِذا هُمْ ... مشهد من وراء آخر، ومرحلة تلي ما قبلها، قد تكون الفترة بينهما طويلة، ولكن التعبير القرآني يقارب ما بين هذه المراحل في بضع كلمات، ويصوّرها في ذهن القارئ، وكأنها تاريخ سريع يمرّ من أمامه.


(١) ق: ٤٤.
(٢) الأنعام: ٤٤.

<<  <   >  >>