للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

١٠ - ومن التصوير الرائع البديع الذي تنفرد به كلمة واحدة قوله تعالى: ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ (١). والمقصود الأصلي هو استنكار تكاسل بعض المسلمين أمام داعي الجهاد في سبيل الله. ولكن انظر إلى الأداة التعبيرية عن ذلك اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ. لقد أخرج معنى الكسل الذي هو من مدركات العقل في صورة جرم ثقيل كلما حاولت أن ترتفع به إلى الأعلى انحطّ بك إلى الأرض، وهو من الثقل بحيث لا ينفك عالقا وملتصقا بكل ما هو دون، من أرض وغيرها. وكما يقول سيد قطب: لو أنك حذفت الشدة من الكلمة فقلت «تثاقلتم» لخفّ الجرس وضاع الأثر المنشود ولتوارت الصورة المطلوبة التي رسمها اللفظ واستقلّ برسمها (٢).

١١ - أنبأنا الله تعالى عن دخول هذا الكون كله تحت سلطانه وأنه ليس إلا شيئا ضئيلا بالنسبة لملكه وعظيم قدرته، ولكنه وضع هذا المعنى في صورة مخيّلة محسوسة يمتلئ بها الخيال والحس، ويذوب فيها الشعور. يقول الله عزّ وجلّ: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ، وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ... (٣).

فأنت لست من هذه الآية أمام كلمات الملك والسلطان والعظمة ونحوها مما هو من مفهومات الفكر المتأمل ... ولكنك أمام الهول العجيب الذي يذهب له الحس وتخشع له المشاعر: الأرض جميعا شيء صغير في قبضة الله والسموات كلها بأجرامها العظيمة قد طويت كما يطوى البساط أو الصفيحة، فهي ليست إلا جرما صغيرا لا تكاد تدركه

العين مخبوءة في يمين الله عزّ وجلّ. وليس هناك من يمين، ولا قبضة، ولا طي بالمعنى الحسي المعروف، ولكنه التخييل والتجسيم للمعنى الذهني، كي يفيض الشعور والخيال إحساسا به.


(١) التوبة: ٤٨.
(٢) انظر التصوير الفني وما ذكره سيد قطب في تحليل هذه الآية: ص ٨٧.
(٣) الزمر: ٦٧.

<<  <   >  >>