ولم يجده شيئا. ويمزج البيان الإلهي في آخر هذا التمثيل بين المشبّه والمشبه به، أو قل إنه يؤلف بينهما في الربط بنهاية واحدة، وذلك عند ما يقول:
ووجد الله عنده فوفّاه حسابه. فقد كان الحديث إلى ما قبل هذه الجملة عن ظمئان اغترّ بسراب، وفي نهاية المثل اتضح أن الظمآن لم يكن غير هذا الكافر الذي اغترّ بظاهر أعماله الإنسانية، وراح ينتظر ثمراتها وآثارها الخيّرة، حتى إذا جاء يوم الحساب وحانت ساعة القطاف، راعه أنه لم يجد لأعماله الصالحة أثرا، بل وجد بدلا منها إله الذي لم يكن يتوقع أن يراه، ووفّاه حسابه على الحقائق التي كان يبطنها في قلبه لا على المظهر الزائف الذي كان يتجلى به بين قومه وأصحابه.
أما المثال الثاني فهو بحر هائل بعيد الغور تكاثفت فوقه ظلمات متراكمة تألفت من ظلمة البحر ذاته وظلمة أمواجه العاتية وظلمة السحب الداكنة من فوقه؛ فهي ظلمات ثلاث تراكمت بعضها فوق بعضها إلى أن غشيت جو السماء وكاد الرجل أن يضلّ فيها حتى عن ذاته.
وإنما الظلام في المعنى الممثّل له ظلام الكفر بالله عزّ وجلّ؛ وإنما القصد أن الكفر إذا حاق بالقلب اصطبغت الأعمال كلها بلونه وتأثرت بظلامه ولم يعد في شيء منها بصيص ضياء، فهي لا تزيد صاحبها إلا ضلالا ولا تكسبه إلا مزيدا من الغواية والخذلان! ...
والمثل- كما تعلم- لا يعرفه إلا من يعبر المحيطات من البحارة وأمثالهم، فهناك يتكاثف مثل هذا الظلام تبعا لحالات وظروف معينة فهو شيء لا يعرفه سكان الجزيرة العربية ولا ما حولها. فالتمثيل به ينطوي على دليل من أهم أدلة الإعجاز، ويؤكد ما ينبغي أن يعلمه كل مسلم من أن هذا الكتاب إنما هو كلام الله عزّ وجلّ، لم يتدخل في صياغة شيء منه أي بشر من الناس كائنا من كان.