للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَاتَّبَعَ هَواهُ، فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ، ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (١).

ضرب الله تعالى هذا النبأ مثلا لكفار بني إسرائيل، إذا علموا نبوّة سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم حتى إنهم كانوا يستفتحون به على المشركين، فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به.

والنبأ في الآية، نبأ واحد من علماء بني إسرائيل وقيل من الكنعانيين اسمه بلعام بن باعوراء، أوتي علم بعض كتب الله تعالى، ولكنه انسلخ منها وركب متن الضلالة، إذ أخلد إلى متاع الدنيا وفضّل الركون إلى أهوائها وشهواتها.

فلم ينفعه إذ ذاك علمه. وغدا في تعلقه بالدنيا كالكلب يلهث في كل حال إن جاع أو شبع، إن اهتاج أو ترك، وهو من أبرز الحيوانات التي تعرف بهذا الشأن. أي فغدا الرجل يلهث وراء الدنيا ومغانمها في كل حال لا يقعده عن ذلك شبع ولا غنى.

فمثل هؤلاء اليهود في ضلالتهم عن الحق الذي لم يجهلوه، بسبب ميلهم إلى المغانم الدنيوية، كمثل ذلك الرجل الذي لم ينفعه علمه لما أخلد إلى الدنيا وأهوائها، بل لم يعد يغنيه امتلاؤه وشبعه عن مواصلة السعي وراءها والانحطاط في شهواتها.

وهذا المثل- كما ترى- منتزع من قصة واقعة، وليس مجرد فرضية مؤلفة.

فهو مثال وقصة بآن واحد، وإنما عدّدناها في الأمثال لا في القصص لأنها سيقت مساق المثل، إذ جردت من تفاصيلها القصصية واعتصرت منها معالم العبرة مكثفة موجزة، ولأن الله سمّاه مثلا إذ قال في نهاية الآية: ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا.

ومن هذا القبيل قوله عزّ وجلّ: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً (٢) إلى آخر


(١) الأعراف: ١٧٥ - ١٧٦.
(٢) الكهف: ٣١ - ٤٢.

<<  <   >  >>