للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ب- التشريع: إذا أمعنت النظر، وجدت قانون كل أمة أو دولة أو جماعة من الناس، إنما يعكس طبيعتها وأعرافها ويتجاوب مع ظروفها فشريعة كل أمة إذا تعبير عن حاجتها ومتطلباتها فقط دون أيّ نظر إلى ما وراء حدودها.

غير أن التشريع القرآني لا تجد فيه أيّ منزع إلى عرق أو طائفة أو جماعة ... وإنما هو ينبثق عن أسس ومبادئ إنسانية مطلقة، بحيث تأتي عامّة فروعه متطابقة معها في دقة واطّراد.

ولنضرب أمثلة لإيضاح هذه الحقيقة:

سورة النساء، من السور التي تفيض بالأحكام التشريعية المتعلقة بتنظيم الأسرة وحقوق المرأة، ونظام الحكم، وتقويم العدالة وضبط حقيقتها. فانظر كيف بدأت هذه السورة بوضع الركيزة الأساسية لتلك الأحكام كلها، وكيف لفتت أنظار الذين سينصتون إلى هذه الأحكام التالية، إلى أن المنطلق إلى تقريرها ووجوب الأخذ بها إنما هو النظر إلى مصلحة الأسرة الإنسانية المطلقة دون أي التفات إلى الظروف المتنوعة والمختلفة للبيئات والجماعات. وهذه هي الركيزة الأساسية:

يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها، وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً، وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (١).

فالمنطلق لتقرير كل الأحكام والتشريعات إنما هو الرحم الإنسانية العامة.

ففي سبيلها ستتلى الأحكام التالية، وعلى ضوئها ينبغي أن تفهم حقيقة المقررات التشريعية التي تفيض بها السورة.

وتمضي في قراءة السورة، فتجد سلطان هذا المنطلق الأول ممتدا إلى سلسلة الأحكام والتنظيمات التالية كلها: حقوق اليتامى، حقوق النساء، فرائض الميراث، أحكام النكاح ومقوّمات الأسرة، نظام الحكم وسلطان


(١) النساء: ١.

<<  <   >  >>