الحاكم، والعدالة الاجتماعية وميزانها. وليس في فرع من فروعها أو أيّ جانب من جوانبها انعكاس ما لنظرة إقليمية أو عرقية أو امتيازات طائفية، بحيث تضيق من النظرة الإنسانية الشاملة التي كانت المنطلق والأساس.
ولنجسد هذه الحقيقة بمثال للميزان القرآني الذي وضع لمعنى العدالة، أساسا للتشريع:
رجل من أهل المدينة اسمه: طعمة بن أبيرق، سرق درعا من جار له، يقال له قتادة بن النعمان، وكانت الدرع في كيس فيه دقيق فحبأها عند رجل من اليهود يقال له زيد بن السمين، وكان الدقيق ينتثر من الجراب في الطريق فاتهم قتادة طعمة بالسرقة، والتمس الدرع عنده فلم توجد، وحلف لهم: والله ما أخذها وما له بها من علم. ثم اتبعوا أثر الدقيق حتى انتهوا إلى اليهودي فأخذوه فقال لهم: لقد دفعها إليّ طعمة بن أبيرق، فلم يصدقه أحد. وجاء بنو ظفر- وهم قوم طعمة- إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
يسألونه أن يدافع عن صاحبهم تجاه اتهام اليهودي له بالسرقة واتهامه بأنه هو الذي أعطاه الدرع. وكان قوم طعمة قد تواطئوا مع صاحبهم أن يستميلوا النبي صلّى الله عليه وسلّم إليهم، كي لا يجد اليهودي أذنا صاغية له. واقتنع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معهم بذلك وهمّ بأن يدافع عنه ويحكم على اليهودي بالسرقة. فنزلت هذه الآيات المتتالية من سورة النساء، توضح للنبي الحقيقة وتفضح ما بيّته المنافقون فيما بينهم، وتكشف للنبي صلّى الله عليه وسلّم سبيل الحكم العادل المتجرد.