* وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ، إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ، كاظِمِينَ، ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ عود إلى وصف يوم القيامة بأسلوب مختلف وبأنواع أخرى من الصفات الهائلة المخفية.
والحديث هنا يتحول إلى مخاطبة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، قائلا: أنذر الناس يا محمد يوم القيامة، فيوم مفعول ثان لأنذر. ولقد سمى القيامة هنا بيوم الآزفة، بعد أن سمّاها في الآيات السابقة: يوم التلاق. وكلا الاسمين وصف صادق وهائل ليوم القيامة. وهي من أزف الأمر إذا دنا، وإضافة اليوم إليها من إضافة الشيء إلى صفته، أي اليوم الآزف وإنما سمّاه الله الْآزِفَةِ تنبيها إلى أن ذلك اليوم قريب وإن استبعد الناس مداه واستأخروا قدومه. ولقد وصف الله هذا اليوم بعكس ما هو متصور في أذهان الناس كي ينتبهوا إلى خطأ تصورهم هذا، ولكي يعلموا أن كل ما هو كائن فهو قريب.
ولك أن تقول: ففيم أنّثت الآزفة، وهي كما تقول صفة لليوم؟ والجواب- كما قال القفال وغيره- أن سائر أسماء القيامة جارية على التأنيث كالطامة والحاقّة ونحوهما تضمينا لها معنى الداهية، أي فالتأنيث للتهويل.
(إذ القلوب لدى الحناجر): استحضار لصورة الكرب الشديد العالق بنفوس الناس إذ ذاك، والكرب معنى اعتباري مجرد، ولكن الآية تبرزه في أروع صورة محسوسة مجسّمة، وصورة الكرب هنا هي تلك القلوب التي ارتفعت من أماكنها حتى التصقت بالحلوق، فلا هي تعود فيستروحوا ولا هي تخرج فيستريحوا. وانظر إلى الشمول الذي دلّت عليه «القلوب» و «الحناجر»! ... فهو لم يضف القلوب والحناجر إلى أناس بأعيانهم، بل قطعهما عن الإضافة والتخصيص، وعبّر بصيغة الجمع وأدخل «ال» عليها، لتفهم أنها غاشية عامة من الضيق والكرب تمتد إلى كل من يزدحم بهم ذلك الموقف المريع.
(كاظمين): حال من أصحاب تلك القلوب، وهم وإن لم يذكروا في الآية ولكن صورتهم ماثلة في المخيلة. والكاظم هو المنحبس على حال من الغم والغيظ امتلأت بهما نفسه، وهي صورة أخرى للكرب الشديد في ذلك اليوم، ليس عنه أي متنفس ولا مهرب! ..