(ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع): كشف للحالة التي قد يتساءل عنها الفكر والذهن: أليس ثمة من ملجأ أو شافع أو معين؟ لا ... ليس للظالمين أي ملاذ، إنه الكرب الذي لا مفر منه ولا مخلّص، فليس ثمة قريب شفيق، ولا شفيع يطاع قوله أو ينظر في شفاعته. ونفي وجود القريب الشفيق إنما هو تصوير لعدم اهتمام المرء إذ ذاك إلا بنفسه. فالأقارب لا يزالون أقارب لبعضهم إذ ذاك ولكن أحدا منهم لا يتعرف على الآخر، فكأن الأنساب قد قطعت مما بينهم حينئذ فلا وجود لها كما يقول الله عزّ وجلّ: فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ.
* يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ أسلوب آخر في التعبير عن مجازاة الله ومحاسبته للناس إذ ذاك، وفي التعبير عن عدم تمكن الكافرين والجاحدين يومئذ من المكر أو الكذب أو إخفاء الحقائق.
إن الله عزّ وجلّ مطّلع على كل ما قد يجترحه أو يكسبه الإنسان سواء كان ذلك بجوارحه الظاهرة أو بنفسه ووساوسه الخفية. وتأمل كيف عبّر البيان القرآني عن النوع الأول ب: خائنة الأعين وعن الثاني ب: ما تخفي الصدور. لقد كنى عن أعمال الجوارح بأدق مثال لها، وهو النظرة المريبة بالعين وعبّر عنها بخائنة الأعين، أي الأعين الخائنة، على أن الخائنة اسم فاعل، أو بمعنى: خيانة الأعين على أنها مصدر كالعافية والعاقبة، كأن العين تخون صاحبها فتنم عمّا أضمر في نفسه، أو تخون الحق والأمانة إذ تغمز وتسترق النظرة المحرمة.
وكنى عن أعمال القلوب ووساوسها بما تخفي الصدور؛ والصدور هي مستكنّ الأسرار والخفيات.
فكيف يستطيع الظالمون مع ذلك إخفاء الحقائق؛ أو الكذب على الواقع؟! أم كيف يعجز الخالق جلّ جلاله عن محاسبتهم على كل ما اجترحوه من صغير وكبير؟! * وتختم هذه الآيات الوصفية المتضمنة لطرف من أهوال يوم القيامة بتقرير الحقيقة التي يريد الله عزّ وجلّ من عباده أن ينتبهوا إليها قبل فوات