للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بيد أنه استدرك، كي لا تحسب أنه ذلّ الحطّة والصغار، وهو ما ينهى عنه الإسلام ولا يمكن أن يأمر به، فقال: من الرحمة، أي بسبب وبعامل الرحمة بهما، وهو شرف لك وليس بصغار عليك.

ومع ذلك، فلا تقتصر على أن تعاملهما برحمة من عندك، بل ادع الله لهما أيضا على أن يشملهما برحمة من عنده. وقل ربّ ارحمهما كما ربياني صغيرا أي رحمة كرحمتهما بي إذ كنت صغيرا، أو في مقابل رحمتهما بي إذ ذاك.

* ولما بالغ هذه المبالغة في الأمر ببرّ الوالدين، حتى إنه لم يرخص في أدنى كلمة قد تفلت من المتضجر، أعقب ذلك ببيان رفع الحرج عمّن أساء ثم أسرع فتاب، ولم يكن قلبه منطويا إلا؟؟ على الخير والبرّ والتزام أمر الله عزّ وجلّ، وتأمل في الأسلوب الذي أخرج به هذا المعنى إذ قال: ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان

للأوّابين غفورا. وفيه تقرير بأن التوبة الكاذبة باللسان لا تخدع الله عزّ وجلّ لاطّلاعه على ما استقرّ في النفوس، وفيه تأكيد بأن الله يقبل توبة الآئب إليه؟؟ النادم على ما قد كان منه.

* وينتقل البيان القرآني إلى المبدأ الثالث، وهو الوفاء بحق القرابة والرحم خاصة وبحق عموم الفقراء والمساكين عامة؛ وهو مبدأ وثيق الصلة والمناسبة بالذي قبله وهو برّ الوالدين؟؟: وليس الأمر هنا بالإحسان و؟؟ الرفق، ولكنه أمر بإعطائهم الحق الذي لهم؟؟؟ عليه، حتى لا تتصور أن لك بذلك عليهم منّة وأنك تمنحهم من حقك الذي؟؟؟ هو لك ... وعن هذا المعنى تعبّر صياغة الآية: وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل. أما الأمر بالإحسان إلى الوالدين، فليس فيه مثار لهذا التصور، وذلك لأن الولد مهما بالغ في الإحسان إلى والديه فإنه لن يفي لهما بجزء من حقهما السابق عليه.

ولما كان الوفاء للأقارب والمعوزين بحقوقهم يقتضي حجز المال عن تبديده في الجهات الباطلة نهى الله عن ذلك بقوله: ولا تبذر تبذيرا. والمفعول المطلق لبيان النهي عن التبذير الذي لا مسوغ؟؟ له إلا التبذير المجرد، وذلك لإخراج صور من الإنفاق قد تظهر في مظهر التبذير ولكنها ليست في الحقيقة كذلك إذ يقتضيها مصالح وأسباب مشروعة معينة.

<<  <   >  >>