للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا. إنها تصوّر لك ما يفعله المتعاظم في سيره إذ يضرب بقدمه الأرض كأنه يفاخرها ويشعرها بشأنه، ويرفع رأسه متطاولا كأنما يريد أن يطاول بهامته ذرى الجبال مع أنه هو هو، ذلك المخلوق الضعيف الذي لن يخرق أرضا ولن يطاول جبلا.

وبعد أن انتهى الحديث عن تفصيل هذه المبادئ الهامة في حياة الإنسان، عاد الخطاب الإلهي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مشيرا إلى كل هذه المبادئ قائلا: ذلك ما أوحى إليك ربك من الحكمة، أي من معرفة الحق؛ فالحكمة، هي اكتشاف الحق الذي قد يخفى على غير ذي البصيرة. وكان الخطاب من قبل ذلك متجها إلى الإنسان عموما، فمرة يخاطبه بصيغة الجماعة كما في قوله:

وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، ومرة يخاطب فيه الفرد المتكرر كما في قوله: وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ..

ثم يختم هذه المبادئ بما قد بدأ به، وهو مبدأ الإيمان بالله عزّ وجلّ ووحدانيته قائلا: ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا، إشعارا بأن ملاك هذه المبادئ كلها وضمان تطبيقها الوحيد هو الإيمان بالله عزّ وجلّ إيمانا صادقا. فما لم يوجد الإيمان به فإن هذه المبادئ لن تنفذ كما ينبغي مهما آمن الناس بأنها حق لا مرية فيه. إذ إن مجرد الإيمان بالفضيلة لا يكفي دافعا إلى التمسك بها وكم في الناس من يؤمن بأن الحق حق ومع ذلك فهو لا يقوى على تنفيذه، ويؤمن بأن الباطل باطل ومع ذلك لا يستطيع التخلّص من ظلّه:

والله سبحانه أعلم.

***

<<  <   >  >>