للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخوض فيها، ولا جرم أنك ستسأل عن هذه الأمانة وستحاسب على تضييعها وعدم استرشادك بها.

ثم إن الجملة في دلالتها على هذا المعنى تحتمل أحد تأويلين:

الأول: أن السمع والبصر والفؤاد كلّ أولئك كان مسئولا عن نفسه يوم القيامة، فاسم كان ضمير عائد إلى كلّ من السمع والبصر والفؤاد. والآية على هذا التأويل جارية على غرار ما قلناه في: إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا وإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ وقد علمت المعنى البلاغي فيه.

الثاني: أن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا فاسم كان على هذا ضمير عائد على الإنسان، والمعنى فيه واضح.

وقد نزّل الله عزّ وجلّ هذه الأعضاء الثلاثة منزلة العقلاء، بسبب أن قوام عقل الإنسان وفكره بها، فمن أجل ذلك أشار إليها بما يشار به إلى العاقل وهو: أولئك.

* والمبدأ الأخير مبدأ أخلاقي ذو اتصال مباشر بالذي قبله، بل بينهما تلازم في السلب والإيجاب، وهو تحذير الإنسان من أن يسلم نفسه للغرور الذي ينسيه حقيقة ذاته فيتعاظم ويتكبر ... وكلّ ما حوله من الناس والمخلوقات مما لا موجب للتعاظم عليه. وانظر ما يقول الخطاب الإلهي في ذلك: وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا والآية كما ترى تفيض بالصور المختلفة التي تسخر من هذا الذي يمشي متكبرا على الأرض.

فمن ذلك أنه قيد المشي بالأرض، وهو شيء معلوم، إشعارا بأن هذا الذي يمشي على الأرض لا يليق بحاله أن يتكبر من فوقها.

ومن ذلك أنه أخبر بما هو معلوم، وهو قوله: إنك لن تخرق الأرض.

تنزيلا للمتكبّر المتجبّر منزلة من غابت عنه هذه الحقيقة الواضحة، فهو يحتاج إلى من ينبهه إليها! ومن ذلك هذه الصورة الساخرة التي تتركها الجملة في الذهن: إنك لن

<<  <   >  >>