للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

* ومع الحديث عن الأمانة وضرورة الوفاء بالعهد يوصى الله عزّ وجلّ بمبدإ تاسع، هو من أهم ما يتعلق بالأمانة والعهد فيقول: وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا أي أتموا الكيل ولا تخسروه، حينما تريدون أن تكيلوا للمشترين، فالخطاب هنا للبائعين، إذ هم الذين يكيلون، أما المشتري فإنما هو يكتال، أي يطلب أن يكال له.

ومن أجل ذلك قيّد الأمر بالوفاء عند إرادة الكيل، إذ الكائل هو الذي تراوده نفسه بخسران الكيل. ثم أمر بنحو ذلك عند التعامل بالوزن، ولما كانت طريقة الوزن مختلفة عن طريقة الكيل خالف في التعبير عن الوفاء بكلّ منهما.

وعلّل هذا الأمر بأنه أفضل للبائع، وبأنه أحسن عاقبة. وإنما قال ذلك ليزيل الوهم العالق بأذهان البعض من أن الظاهر المحسوس أن التلاعب بالكيل والوزن خير للبائع إذ هو يزيد في دخله وربحه. فكأنه يقول: إنه وإن خيّل إليكم ذلك في أول الأمر فإن العاقبة تأتي بعكس ما تتخيلون، إذ كل ذلك سرعان ما يتبدد وينمحق، عند ما يعلم شأن هذا المحتال وعادته بين الناس.

* ويأتي المبدأ العاشر نهيا وتحذيرا عن اتّباع أو تبنّي ما لم تعلم حقيقته من الأمور. وهو مبدأ ذو علاقة كبرى بتربية الفرد والمجتمع، وإليه يعود الأمر في معالجة معظم المشاكل والقضايا التي يشكو منها الباحثون والمفكرون في كل عهد وظرف.

ولكن انظر إلى الأسلوب الذي أخرج به البيان الإلهي هذا المعنى: وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ. إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا وتقف بمعنى تتبع من قفا أثره أي اتّبعه. فهو يقول: (لا تكن في اتباعك لما لا تعلم حقيقته من عقيدة أو قول أو فعل مثل من يتبع سبيلا مجهولا لا يدري إلى م سيوصله. فهو يشبّه المجهول الذي

يسارع فيه الإنسان دون علم حقيقي به، بالطريق التائهة التي لا يدري نهايتها إذ يقتحمها السالك ظانّا بمجرد وهمه أنه سيصل منه إلى بعض ما يبتغيه.

ثم يعلّل هذا النهي الخطير، بأن كلّا من السمع والبصر والعقل إنما هو أمانة استودعتها أيّها الإنسان لتستعملها في درك الأمور والتحقّق منها قبل

<<  <   >  >>