اثنين أو ثلاثة كما كانوا يفعلون، أو بأن يمثل بالقاتل أو يزيد إلى القتل سلبا ونهبا، أو بأن يقتل غير قاتله، أو غير ذلك مما يدخل في باب التشفّي ويتجاوز القصاص والحق. عبّر عن النهي عن كل ذلك بهذه الصيغة الجامعة: فلا يسرف في القتل.
والآية لا تنهى وليّ المقتول عن هذا الإسراف إلا وهي تطمئنه إلى أنه واصل إلى حقه، وعبّرت عن ذلك بصيغة الماضي مصدّرة بإن المؤكدة: إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً تأكيدا للوقوع ومزيدا من التطمين لخاطر صاحب النفس الملتاعة المتأثرة.
* وتنتقل الآيات إلى مبدأ ثامن، هو الرأفة باليتيم، والنظر في ماله بالحفظ والصيانة. وهو مبدأ يهتم به القرآن اهتماما كبيرا، لما له من آثار خطيرة في المجتمع سلبا وإيجابا، إذ التفريط من أسوأ مظاهر الظلم والخيانة.
وفي ذلك يقول الله عزّ وجلّ: وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ. وإنما اقتضت المبالغة في النهي هذا الأسلوب، لأن أكل مال اليتيم له هو الآخر، كالزنا، أسباب وذرائع، إذا تهاون وليّ اليتيم بالوقوع فيها يوشك أن يقع من ورائها في أصل المنهي عنه.
واستثني من عموم النهي أن يعالج له ماله بالحفظ والاستثمار والتجارة التي لا مغامرة فيها، وعبّر عن مثل هذه المعالجات المحمودة بقوله: إلا بالتي هي أحسن من الابتعاد والترك.
وختم هذا الأمر، بتذكير وليّ اليتيم بالعهد الذي قام بينه وبين والده، وبأن عليه الوفاء بالعهد الذي أخذه على نفسه. ويقول بعد ذلك: إن العهد كان مسئولا، أي إن العهد سيسأل عمّا قد فعل به من حفظ أو ضياع له.
أخرج العهد في صورة إنسان تجسدت فيه الأمانة وكلمة الشرف ليوجّه إليه الخطاب والسؤال، وذلك تأكيدا للعدالة الإلهية التي تراقب أعمال الناس ومعاملاتهم لبعض، وتحسيدا لدقة محاسبة كلّ على ما قد فعل. وأسلوب الآية في هذا جار على غرار قوله عزّ وجلّ: وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ.