أو يكون المعنى: إنه ليس داخلا في أهله الذين وعد الله بنجاتهم، إذ هو خارج عنهم باستثناء إلا من سبق عليه القول.
ثم علّل نفي الأهلية عنه بجملة استثنائية ليكون فيها معنى التعليل والإخبار معا فقال: إنه عمل غير صالح، أي إنه ذو عمل غير صالح، وإنما أخبر عنه بالعمل نفسه، مبالغة في إلصاق السوء به ولبيان أن العمل السيئ لم يكن يفارقه.
وإذ قد وقفت على جليّة الأمر فلا تسألن سؤال طلب ما ليس لك به علم، أي لا تطلب مني شيئا لا تعلم أن الحكمة متفقة معه أم لا، فليس كل ما يظهر لك هو وحده الحقيقة.
إني أعظك أن تكون من الجاهلين، أي أنهاك عن مثل هذا وأحذرك لئلا تكون من الجاهلين، أو كراهية أن تكون من الجاهلين.
وأمام جواب الله لنوح عليه السلام وقف متذللا لحكمه وقضائه ملتزما حدود العبودية والرضى قائلا: ربّ إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم، وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الجاهلين. وأنت ترى كأنه ذنب عظيم ذاك الذي فعله نوح بسؤاله فهو يستغفر ويتوب منه، وما هو بذنب في الحقيقة ولكنه رتبة المقرّبين تقتضيهم مزيدا من الرهبة والإجلال وهذا هو شأنهما في النفس.
والآن ... وقد هيّئت الأرض مرة أخرى للعيش فوقها وعادت أسباب الرزق والكدح من فوقها كما كانت من قبل، فليهبط نوح ومن معه من الشاهق الذي أرستهم السفينة عليه إلى الأرض سالمين مطمئنين ينعمون بخيراتها وثمارها، يشترك في ذلك الصالح والطالح إلى أن يأتيهم ميقات يوم معلوم، ففيه يلاقي كلّ جزاءه وأجره. وانظر إلى البيان القرآني كيف يقرر هذا المعنى: