للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بأن هذه المصاحف التي وزّعها عثمان في الأقطار هي الصورة المحققة الدقيقة للقرآن الذي نزل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والذي كان يتلى به.

الثانية: أن القرآن إنما نزل بلهجة قريش فينبغي أن يكتب أيضا برسمهم وطريقة كتابتهم، تفهم ذلك من قول عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن- أي إملاء ولهجة- فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم.

وقد تم هذا العمل العظيم الذي قام به عثمان بن عفان رضي الله عنه في عام ٢٥ للهجرة. أما ما قام به أبو بكر رضي الله عنه فقد كان بعد موقعة اليمامة في العام الثاني عشر للهجرة.

ثم إن الصحف التي أعادها عثمان رضي الله عنه إلى حفصة، بقيت عندها إلى وفاتها. ومن هنا تعلم أن هذه الصحف لم تكن من بين الصحف أو المصاحف التي أحرقت. قالوا وقد حاول مروان بن الحكم في عام ٦٥ أن يأخذها منها ليحرقها، فأبت، حتى إذا توفيت أخذ مروان الصحف وأحرقها، وقال مدافعا عن وجهة نظره: إنما فعلت هذا لأن ما فيها قد كتب وحفظ بالمصحف الإمام، فخشيت إن طال بالناس زمان أن يرتاب في شأن هذه الصحف مرتاب (١).

وما هو إلا أن توزعت هذه المصاحف في البلدان الإسلامية حتى أحرق كل امرئ ما كان عنده من قبل. وأقبلوا يعكفون على استنساخ المصاحف من هذه الأصول الوثيقة المعتمدة، إلى جانب دراستها وتلقّيها مشافهة من كبار القرّاء الذين كان يبعثهم عثمان رضي الله عنه إلى الأمصار ليتلقى الناس منهم كتاب الله عزّ وجلّ.

هذا ونستطيع أن نقطع بأن واحدا من المصاحف العثمانية كان باقيا في دمشق بمسجد بني أمية الكبير حتى القرن الثامن الهجري، حيث يقول ابن كثير


(١) مباحث علوم القرآن للدكتور صبحي الصالح نقلا عن كتاب المصاحف لابن أبي داود ص:
٧٤.

<<  <   >  >>