في كتابه فضائل القرآن:(أما المصاحف العثمانية الأئمة فأشهرها اليوم الذي في الشام بجامع دمشق عند الركن شرقي المقصورة المعمورة بذكر الله)(١).
أما بعد ذلك، فالحديث عن تحقيق هذه النسخ ونقلها بين المكتبات والمتاحف والبلدان، أمر يطول ولسنا بصدد هذا البحث.
فإذا تأملت في هذه الخلاصة التي سردناها من تاريخ هذا الكتاب العظيم، منذ نزوله على قلب المصطفى صلّى الله عليه وسلّم إلى وصوله إلينا اليوم من حيث الأدوار التي تدرج فيها كتابة وجمعا، وتلقيا ودرسا- تصورت أنك من هذا الكتاب المبين أمام شمس واضحة مشرقة تسير أمام عينيك في قبة السماء الصافية، ليس حولها مزقة سحاب تغشي عليها وليس بينك وبينها أي زوبعة أو ضباب يحجبها عنك.
سلسلة متصلة من التدوين الكتابي الدقيق، والتلقّي الشفهي السليم، يسيران جنبا إلى جنب في مطابقة واتفاق، منذ بزوغ فجر هذا التنزيل إلى هذه الساعة من يومنا هذا، لا ترى فيها حلقة مفقودة أو ثغرة ينفذ منها الشك أو اختلافا يبعث على الريبة.
فأي خبر أو كتاب سار خلال القرون في مثل هذا النفق المحكم العجيب من الحفظ والوقاية؟ اللهمّ إن العقل لا يفهم من ذلك إلا أنه تصديق الدهر والقرون لقوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ وقوله تعالى:
كتاب لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ.