الإخبار بهذا الغيب الذي سيقع، وتفصيل الأمر فيه من المبهم الذي لا يكشف عنه إلا الواقع الذي يأتي في حينه.
فهذه أمثلة لأصناف المبهم الذي وقع في القرآن، وإذا تأملت فيها علمت أن منها ما أمكن تفسيره وكشفه عن طريق الوقوف على تفسير السنّة له، ومنها ما ظل مبهما مكنونا في غيب الله عزّ وجلّ، لا يكشفه إلا الواقع الذي أخبرت عنه الآيات.
بقي أن تعلم الحكمة من وجود مثل هذه المبهمات في كتاب الله عزّ وجلّ.
فأما الإبهام المتعلق بفواتح بعض السور، فقد علمت مما ذكرناه، أن مذهب جمهور العلماء والباحثين أن لهذه الفواتح معنى يمكن الوصول إليه بالنظر والبحث، فالإبهام فيها إنما هو بمعنى الغموض والخفاء اللذين يمكن إزالتهما والوصول إلى ما وراءهما، وليس بمعنى انغلاق اللفظ على المعنى واستحالة وصول القارئ أو المتدبر إلى المقصود.
غير أنك قد تسأل: ففيم هذا الغموض والخفاء وإنما هو كتاب أنزل للقراءة والفهم؟.
فالجواب: أن القرآن- كما يقول ابن قتيبة- إنما نزل بألفاظ العرب ومعانيها ومذاهبها في الإيجاز والاختصار، والإطالة، والتوكيد، والإشارة إلى الشيء، وإغماض بعض المعاني حتى لا يظهر عليه إلا اللقن (سريع الفهم) وإظهار بعضها وضرب الأمثال لما خفي.
ولو كان القرآن كله ظاهرا مكشوفا حتى يستوي في معرفته العالم والجاهل لبطل التفاضل بين الناس وسقطت المحنة وماتت الخواطر (١).
ولا شك إن من فوائد ما تلبّست به هذه الفواتح من الإبهام، ما تراه من الأبحاث المختلفة الجليلة، التي أقامها العلماء على هذه الفواتح سواء منها ما