للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقريب. ولقد قيل بعد ذلك لكل ما غمض ودقّ: متشابه، وإن لم تقع الحيرة فيه من جهة شبهه بمعنيين. ولكن الطريقة التي سلكناها من التفريق بين المبهم والمتشابه تقتضينا أن نقصر اسم «المتشابه» على معناه الأساسي الأول في هذا المقام.

والآيات المتشابهة بالمعنى الذي ذكرناه، إنما وقع فيها ذلك من جهة المجاز واستعماله. فبسببه قد يقع الغلط ويكثر التأويل وتختلف المذاهب والأقاويل.

غير أنه ينقسم إلى نوعين: فأما النوع الأول منه فالخطب فيه يسير وأمر التأويل فيه واضح، ووجه المجاز فيه غير خفي.

وهذا النوع ينطبق على عامّة الآيات التي تتجلى فيها البلاغة القرآنية عن طريق التصوير وتجسيم المجردات من المعاني. فلا يكاد يقع في أمرها اشتباه إلا بالنسبة لمن كانت بضاعته في العربية ناقصة وضعيفة.

مثال ذلك قوله تعالى: سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ (١) وقوله: يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (٢) وقوله: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ (٣) وقوله عن بعض الكافرين الذين أهلكوا: فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ (٤).

فلا يشك العربي أن المقصود بالآية الأولى: سنقصد إليكم بعد طول الترك والإهمال، وأن المقصود بالآية الثانية: الكناية عن مدى سعتها، مع عدم أي مانع من أن يكون الأمر على الحقيقة فيسأل الله النار وينطقها بالجواب، تهويلا للأمر وكشفا عن جليل قدرته وتنبيها إلى عدم وجود أي قيمة حقيقية لمعنى الأسباب والمسببات الكونية؛ وأن المقصود بالآية الثالثة: بيان شدة الأمر على الناس إذ ذاك، وأن المقصود بالآية الرابعة: أنه لم يبك عليهم باك ولم يجزع لفقدهم جازع.


(١) الرحمن: ٣١.
(٢) ق: ٣٠.
(٣) القلم: ٤٢.
(٤) الدخان: ٢٩.

<<  <   >  >>