للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما النوع الثاني فهو الذي وقع بصدده الكلام والبحث واختلفت حوله آراء العلماء فيما يبدو. وينطبق هذا النوع على بعض آيات الصفات الإلهية، من مثل قوله تعالى: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى (١) وقوله: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ، يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ (٢) وقوله: وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي (٣) ومحل الشبهة في مثل هذه الآيات أن ظاهرها يثبت لله تعالى جوارح ومكانا، وهو مخالف لصريح قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ (٤).

وموقف العلماء والمفسرين من مثل هذه الآيات ينبثق عن سلوك مرحلتين اثنتين:

الأولى منهما يمثل منطلقا متفقا عليه لم يقع بينهم في ذلك خلاف، وهو تفسير المتشابه على ضوء المحكم من الآيات القرآنية. وقوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وقوله: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ من المحكم الذي لا شبهة في معناه. فاتفقوا على أن الله تعالى لا يشبهه شيء من المخلوقات وصفاتهم وأحوالهم.

الثانية منهما محل خلاف في الظاهر، وهو تأويل آيات الصفات إلى المجاز أو تفسيرها على الحقيقة. فالسلف الأول من العلماء والمفسرين آثروا إبقاء اللفظ على الحقيقة مع الإيمان بأن الله تعالى لا مثيل له، وبأنه منزّه عن صفات النقص، ووكلوا تحليل الأمر في ذلك وشرحه إلى الله عزّ وجلّ.

ذكر السيوطي عن أمّ سلمة رضي الله عنها أنها سئلت عن قوله تعالى:

الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى فقالت: الكيف غير معقول، والاستواء غير مجهول، والإقرار به من الإيمان والجحود به كفر. وسئل مالك رضي الله عنه عن هذه الآية فقال: الكيف غير معقول والاستواء غير مجهول، والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة.


(١) طه: ٥.
(٢) الفتح: ١٠.
(٣) طه: ٣٩.
(٤) الشورى: ١١.

<<  <   >  >>