ووجدت المصنف المذكور لم يلزم قانونا في تقديم المقدم وتأخير المؤخر، بل ذكر كل اسم على ما اتفق له من ذكره، وخدم ذلك الاسم بما وجده من أخباره ونظمه ونثره، وألمّ في بعض الأشعار بالتنبيه على ما يشاكلها، والإشارة إلى ما يماثلها. فجردت منه خيار ما ودت فيه، وأظهرت من محاسنه ما كان الإكثار يغمره ويخفيه، وجعلته ثلاثة أجزاء: الأول: في المختار من الأشعار على ولاء ما ألف ونسق ما صنف.
الثاني: فيما دلّ ابتسام نواجذه، على دقائق مآخذه، مما تشاكلت معانيه وتماثلت مبانيه.
الثالث: في سحر عيون الأخبار، وما يستدل به على أن وجوه الآثار ألسنة الآثار، وسميته "لطائف الذخيرة وطرائف الجزيرة".
فإن وافق الغرض، ونهض بالمفترض، وإلاّ فكلّ مجتهد مصيب، وآخذ من العذر بنصيب، إن شاء الله، وهو ثقتي لا معبود سواه.
١- قال الأديب أبو عمر أحمد بن الدراج القسطلي من قصيدة:
وقد لمعت حوليك منهم أسنةٌ ... تُخيلُ أن الحزن والسهل نيران
أسود هياج ما تزال تراهم ... تطير بهم الكريهة عقبان
وقال من أخرى:
خوصٌ نفحن بنا البري حتى انثنتْ ... أشلاؤهُنّ كمثل أنصاف البُرى
وخططتُ بين جفانها وجُفونها ... حرما أبتْ حُرماتهُ أنْ تُخفرا
وقال في قصيدة:
أفي مثلها تنبو أياديك عن مثلي ... وهذي الأماني فيكَ جامعةُ الشّملِ
وقد أمّن المقْدارُ ما كنتُ أتّقي ... وأرْخَصَت الأيام ما كنت أستغلي
وهذا مُقامي منذ تسعٍ وأربعٍ ... رجائي في قيدٍ وحظّي في غلِّ
ولم تُصفني خُلقاً أرقّ من الهوى ... ولم تُولني نُعمي ألذّ من الوصل
ومن شيمة الماء القراح وإن صفا ... إذا اضطرمَتْ من تحته النارُ أنْ يغلي
منها:
أبا الأصبغ المعنى هل أنت مُصْرخي ... وهل أنت لي مُغنٍ وهل أنت لي معلي
فاكْسو لك الأيام من حرّ ما أشي ... وأملأ سمع الدّهر من سحرِ ما أُملي
وقال من قصيدة:
وتنبو الرّدينيّات والطولُ وافرٌ ... وينفذُ نصْل السّهم وهو قصير
وقال من أخرى:
إليك شحنّا الفُلك تهوي كأنّها ... وقد ذعرَتْ من مغرب الشمس غربان
على لُججٍ خضرٍ إذا هبّت الصّبا ... ترامى بنا فيها ثبيرٌ وثهلان
ومنها:
وإنّ بلاداً أخرجتني لعطّلٌ ... وإنّ زمناً خان عهدي لخوّان
سلامٌ على الإخوان تسلْيمِ يائس ... وسقياً لدهر كان لي فيه إخوان
يودّعهم شخصي بشجو كمثْل ما ... أجابت حفيف السهم عوجاء مرنان
فلا مؤنس إلا شهيقٌ وزفرةُ ... ولا مسعد إلا دموع وأشجان
قضى عيشهم بعدي وعيشي بعدهمْ ... بأني قد خنتُ الوفاء خانوا
ومنها:
وجوهٌ كرام في البلاد قبورها ... وأنهم في القلب منّي لسكّانُ
وما بليت في الترب إلا تجددت ... عليها من القلب الموجع أحزان
متى تلحظوا قصر المرية تنزلوا ... ببحر ندى يمناه درُّ ومرجان
وتستبدلوا من موج بحر شجاكم ... ببحر لكم منه لُجينٌ وعقيان
ومنها:
وأنْسيتَهم حمل القنا، فسلاحهمْ ... عليك
إذا لاقوكَ
ذلّ وإذعان
فيا ذلّ أعلام الهدى بعد عزّهم ... ويا عز أعلام الهدى بك إذ هانوا
حفرت لهم في يوم قبْرة بالقَنا ... قبوراً هواء الجوّ منهنّ ملآن
فلو نُشر الأملاكُ يومك فيهم ... لألقى إليكَ التاج كسرى وخاقان
كتائب بل كتبٌ بنصرك طرزت ... ووجهكَ "بسم الله" والسيف عنوان
٢- وقال الوزير أبو المغيرة عبد الوهاب بن حزم من قصيدة:
فكم لي فيه من جنابٍ وطئته ... كريماً فلا آسى ولا أتأسّف
يمدّ علينا بالسّحاب سرادق ... ويُسحبُ فينا للجنائب مِطرَف
ومنها:
بدا العَلمُ الفرد الذي كنتُ عالما ... به وسرى العَرف الذي كنتُ أعرفُ
ومنها:
وركب سرَوا والليل مرْخ عليهمُ ... ستوراً من الظّلماء لا تتكشفُ
خبطتُ بهم أكنافه ونجومه ... روائم أظآرٌ على البدر عكّفُ
على كل قنْعاسٍ كأنّ لغامَه ... وقد سئم الإرقال
قطن مندّفُ
هدايا خطوبٍ بات ينحرها السّرى ... ولكنّها من باطن الخف ترعفُ