سلاماً لم يكن إلا وداعاً ... وجمعاً لم يكن إلا افتراقا
قال ابن بسام وهذا كقول المتنبي:
افترقنا حولاً فلما التقينا ... كان تسلية علي وداعاً
وكقول علي ابن حيلة:
ركب الأهوال في زورته ... وثم ما سلم حتى ودعا
قال وذكرت بذلك قول بدر ابن أسماء الغزازي:
بكت الديار لفقد ساكنها ... أفعند قلبي تبتغي الصبرا
بينما هم سكن لجيرتهم ... ذكروا الفراق فأصبحوا سفرا
وقال العباس ابن الأحنف:
سألونا عن حالنا كيف أنتم ... فقرنا وداعهم بالسؤال
ما أنخنا حتى ارتحلنا فما ... قدرت بين النزول والارتحال
وقال المعروف بن الحجاج:
انظر إلى زهر النجوم وقد بدت ... في البحر تعجب ذاتها من ذاتها
فكأنها سرب الحسان تطلعت ... لترى من المرآة حسن صفاتها
قال ابن بسام واذكر في ذلك قول أبي العلا:
فمدت إلى مثل السماء رقابها ... وعبت قليلاً بين نسر وفرقد
قال وأخذه من قول الأخطل:
إذا طلع العيوق والنجم أولجت ... سوالفها بين المسماكين والقلب
قال ابن بسام وذكرت بقوله (لترى من المرأة صفاتها) قول البحتري:
إذا النجوم تراءت في مطالعها ... ليلاً حسبت سماء ركبت فيها
وأخذه الصنوبري فقال:
ولما تعالى البدر واشتد ضوءه ... بدجلة في تشرين في الطول والعرض
وقد قابل الماء المفضض لونه ... وبعض الليل يقفو سنا بعض
توهم ذو العين البصيرة أنه ... يرى باطن الأفلاك من ظاهر الأرض
قال وقد أكثر الشعراء في هذا التشبيه فقال بعضهم:
قام الغلام يديرها في كفه ... فحسبت بدر التم يحمل كوكباً
والبدر يجنح لأفول كأنه ... قد سل فوق الماء سيفاً مذهباً
وقال التمار الواسطي:
أما ترى الليل قد ولت عساكره ... مهزومة وجيوش الصبح في الطلب
والبدر في الأفق الغربي تحسبه ... قد مر جسراً على الشطين من ذهب
وقال التنوخي:
أحسن بدجلة والدجا منصوب ... والبدر في أفق السماء مغرب
فكأنها فيه بساط أزرق ... وكأنه فيها طراز مذهب
وقال كشاجم:
والبدر فوق الدجلة ... والصبح لما أشرق
مكحلة من ذهب ... فوق رداء أزرق
وقال ابن الحجاج:
أوقدت قلبي فارتمت بشرارة ... نزلت فانطفت في مائه
قال ابن بسام والمليح في مثله قول ابن المعتز:
غلالة خده صبغت بورد ... ونون الصدغ معجمة بخال
ولكشاجم:
فلم يزل خده ركناً أطوف به ... والخال في خده يغني عن الحجر
وقال بن الحجاج:
قد نالني منك في فرط الصدود أذى ... وكل شيء إذا ما زاد ينتقص
إن البياض إذا ما جاز غايته ... فلا محالة فيه أنه برص
قال ابن بسام وهو يشير إلى قول ابن الرومي:
وما يعيب السواد حلكته ... وقد يعاب البياض بالمهق
وقال أبو إسحاق إبراهيم بن معلى:
وكيف يكون عهدي منك هذا ... وأحمل منةً بك للعهاد
قال ابن بسام وهو كقول ابن المعتز:
وحاشاه من قولي سقى الغيث قبره ... يداه يروي قبره من ثراهما
وأخذه من قول أبي تمام:
سقى الغيث غيثاً وارت الأرض شخصه ... وإن لم يكن فيها سحاب ولا قطر
وكيف احتمالي للسحاب سفينة ... بأسقائها قبر أو في لحده البحر
وقال ابن المعتز:
لو نمت أنت إنما مات من لم ... يبق للمجد والمكارم ذكرا
لست مستسقياً لغيرك غيثاً ... كيف يظمأ وقد تضمن بحرا
قال وقال عبد السلام بن رغبان:
سقى الغيث أرضاً ضمتك وساحة ... لقبرك فيها الغيث والليث والبدر
وقال الرضي:
فبنفسي ثرى ضاجعت في ساحة اليلا ... لقد ضم منك الغيث والليث البدرا
لو أن عمري كان طوع مشيئتي ... وأسعدني المقدور قاسمتك العمرا
ولو أن حياً كان قبراً لميت ... لصيرت أحشائي لأعظمك قبرا
قال وهو ينظر هنا إلى قول المتنبي:
حتى أتواجدناً كأن ضريحه ... في قلب كل موحد محفور
وقال أبو إسحاق:
ولو استطعت جعلت قلبه ... قلبي فيبقى سالماً وأثاب
ولنبت عنه إذا بكاك بأدمع ... فلكم له فيما أريد مناب