للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثمَّ ذكر سُبْحَانَهُ نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَا أنعم عَلَيْهِ من تَنْزِيل الْقُرْآن عَلَيْهِ وَأمره بِأَن يصبر لحكمه وَهُوَ يعم الحكم الديني الَّذِي أمره بِهِ فِي نَفسه وَأمره بتبليغه وَالْحكم الكوني الَّذِي يجْرِي عَلَيْهِ من ربه فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ امتحن عباده وابتلاهم بأَمْره وَنَهْيه وَهُوَ حكمه الديني وابتلاهم بِقَضَائِهِ وَقدره وَهُوَ حكمه الكوني وَفرض عَلَيْهِم الصَّبْر على كل وَاحِد من الْحكمَيْنِ وَإِن كَانَ الحكم الديني فِي هَذِه الْآيَة أظهر ارادة وَأَنه أَمر بِالصبرِ على تبليغه وَالْقِيَام بحقوقه

وَلما كَانَ صبره عَلَيْهِ لَا يتم بمخالفته لمن دَعَاهُ إِلَى خِلَافه من كل آثم أَو كفور نَهَاهُ عَن طَاعَة هَذَا وَهَذَا وأتى بِحرف أَو دون الْوَاو ليدل على أَنه منهى عَن طَاعَة أَيهمَا كَانَ أما هَذَا وَأما هَذَا فَكَأَنَّهُ قيل لَهُ لَا تُطِع أَحدهمَا وَهُوَ أَعم فِي النَّهْي من كَونه مَنْهِيّا عَن طاعتهما فَإِنَّهُ لَو قيل لَهُ لَا تطعهما أَو لَا تُطِع آثِما وكفورا لم يكن صَرِيحًا فِي النَّهْي عَن طَاعَة كل مِنْهُمَا بمفرده

وَلما كَانَ لَا سَبِيل إِلَى الصَّبْر إِلَّا بتعويض الْقلب بِشَيْء هُوَ أحب إِلَيْهِ من فَوَات مَا يصبر عَلَيْهِ فَوته أمره بِأَن يذكر ربه سُبْحَانَهُ بكرَة وَأَصِيلا فَإِن ذكره أعظم العون على تحمل مشاق الصَّبْر وَأَن يصبر لرَبه بِاللَّيْلِ فَيكون قِيَامه بِاللَّيْلِ عونا على مَا هُوَ بصدده بِالنَّهَارِ ومادة لقُوته ظَاهرا وَبَاطنا ولنعيمه عَاجلا وآجلا

ثمَّ أخبر سُبْحَانَهُ عَمَّا يمْنَع العَبْد من إِيثَار مَا فِيهِ سعادته فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَهُوَ حب العاجلة وإيثارها على الْآخِرَة تَقْدِيمًا لداعي الْحس على دَاعِي الْعقل

ثمَّ ذكر سُبْحَانَهُ خلقهمْ واحكامه واتقانه بِمَا شدّ من أسرهم وَهُوَ ائتلاف الاعضاء والمفاصل والأوصال وَمَا بَينهَا من الرباطات وَشد بَعْضهَا بِبَعْض وَحَقِيقَته الْقُوَّة وَمِنْه قَول الشَّاعِر

<<  <  ج: ص:  >  >>