مثال ذَلِك في الخبر:{قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا}[الأعراف: ١٥٨].
ومثالُه في الأحْكام: مِثْل هَذِه الآيَة: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ}، وما ذُكِر هُنا لا شكَّ أنَّه جدِيرٌ بالعنايَة.
وقوْله:{لِلْمُؤْمِنِينَ} ولم يقُل: "للنَّاس" لأنَّ الإِيمَان هو الَّذي يقْتَضي القَبُول، فالمُؤْمِن هو الَّذي يقْبَل ما كُلِّف به، وفِيه أيضًا منَ الإغْرَاء على الامْتِثال ما فِيه، أي أنَّه لإِيمَانهم فهُم الجَدِيرون بهَذِه العنايَةِ وهَذا التَّوجيه الربَّاني، أمَّا غيرُ المُؤْمِن فلا يمْتَثل.
قَوْلهُ:{يَغُضُّوا} ما جازمها؟ ثلاثة آراء:
الأوَّل: إما أنَّها مجزومة بـ (اللَّام) المقدرة: قل للمُؤْمِنِينَ ليغضوا من أبصارهم، وذكرنا لِذَلك شاهدًا وهو (محمد تَفْدِ نَفْسَكَ كلُّ نفسٍ) يعني: لتفدِ.
الثَّاني: أنَّها جواب للأمر الموْجُود وهو {قُلْ} وأوردنا على ذَلِك ما يضعفه وهو أن مُجرَّد القَوْل لا يلْزَم منه الغض اللهم إلا على فرض أن المُؤْمِن لا بُدَّ أنَّه إِذَا قِيلَ له أن يغض غَضَّ.
الثَّالث: أنَّها جواب لأمر مقدر: قل للمُؤْمِنينَ غُضوا من أبصاركم، يغضوا من أبصارهم، غُضوا يَغضوا.
ما معنى الغض؟ القصر والنَّقص قَوْلهُ:{مِنْ أَبْصَارِهِمْ}(من) المُفَسِّر يرى أنَّها زائدة، والصَّحيح أنَّها للتبعيض ولَيْسَت زائدة، والَّذِي يضعف ما ذهب إلَيْه المُفَسِّر: أن المَشْهُور أن (مِنْ) لا تُزاد إلا في النَّفي وشبهه وهَذه في الإِثْبات.