للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الآية (١٥)]

* * *

° قَالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (١٥)} [النور: ١٥].

* * *

قَوْلهُ: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ} هَذَا التفات من الغيبة إلى الخِطَاب، وفَائِدَته التَّنْبيه وقوة التَّوبِيخ؛ لأَنَّ الخِطَاب أبلغ في التَّوبِيخ فإنَّك إِذَا تحدثت لصاحبك بِصيغَة الغائب صَارَ ألطف وأهون، وإذا أتيت بعد ذَلِك بِصيغَة الخِطَاب صَارَ أبلغ سواء كَانَ ذَلِك مدحًا أم ثناء.

فمن الثَّناء قَوله تَعَالَى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤)} [الفاتحة: ٢ - ٤]، ثم قَالَ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: ٥]، فأثنى المصلِّي على الله -عَزَّ وَجَلَّ- في أول السُّورة بِصيغَة الغائب {الْحَمْدُ لِلَّهِ} ثم بِصيغَة المخاطب {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} كأنه بعد الثَّناء صَارَ حاضرًا بين يدي ربه فقال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}، وانظر إلى قَوْله تَعَالَى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى (١) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (٢) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (٣)} [عبس: ١ - ٣]، فقَوْلهُ: {عَبَسَ} للغائب ثم قَالَ: {وَمَا يُدْرِيكَ} كأن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- لم يشأ أن يخاطب النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - بهَذَا اللَّفْظ عبست وتوليت قَالَ: {عَبَسَ وَتَوَلَّى (١)} حَتَّى تبيّن ثم قَالَ: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (٣)} فهَذِه مثلها.

المُهِمّ أنَّه إِذَا انتقل من صِيغَة الغيبة إلى صِيغَة الخِطَاب فله فَائِدَة وهي التَّنْبيه

<<  <   >  >>