للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التَّحريف؛ لأَن التَّأويل في الحقيقَة منه صحيح ومنه غير صحيح، والأليق بالتَّأويل غير الصَّحيح أن يسمى تحريفًا؛ لأنَّه صرف للفظ عن مدلوله بدون دَليل وهَذَا هو التَّحريف حَقِيقَة، أما أهْل السُّنَّة والجماعَة فقالوا: إن الآية على حقيقتها وعلى ظَاهِرها، وأنَّ الله سبحانه وَتَعَالَى نور السَّموات والأَرْض لكن النُّور نوعان: نورٌ هو ذات الباري جَلَّ وعلَا وصفاته وآياته وأحكامه وكلامه لما يحصل به من الهداية، أي أن أصل النُّور هو الَّذِي يهتدي به كقول الخنساء (١):

........................ ... كأنَّهُ عَلَمٌ في رَأسِهِ نارُ

وهَذَا غير مخلوق، ونورٌ آخر حسي مخلوق، منفصل بائن عن الله، فالنُّور الَّذِي نراه في الشَّمس، وفي القمر، وفي النُّجوم، وفي السُرج هَذَا من النُّور الحسي المخْلُوق ثم النُّور المخْلُوق منه أيضًا: حسيّ ومعنويّ، فالحسي الَّذِي مثلنا به والمعنوي ما ذكره الله تَعَالَى بقَوْلهُ: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ} إلى آخِره.

فالطَّريق السَّليم أن نقول: نور الله سبحانه وَتَعَالَى لَيْسَ مخلوقًا، لَيْسَ كنور القمر الَّذِي جعله الله تَعَالَى فيه، قَالَ تَعَالَى: {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا} [نوح: ١٦]، ولَيْسَ كنور المصباح، ولَيْسَ كالنُّور الَّذِي يَكُون في قلب المُؤْمِن من العِلْم والهداية والإِيمَان، ولكنَّ النُّور حقيقي لله سبحانه وَتَعَالَى فهو نورٌ وصفاته نور وكَذلِك آياته نور سماها الله تَعَالَى نورًا لأَن الله تَعَالَى وصف نفسه بهَذَا الشَّيء، ولكن لَيْسَ كالنُّور الَّذِي نتصوَّره أو نتخيَّله فإن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُول: "حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ" (٢)، يعني لأحرقت سُبُحات وجهه كل شَيْء


(١) ديوان الخنساء (ص: ٣٨٦).
(٢) أخرجه مسلم: كتاب الايمان، باب في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله لا ينام"، رقم (١٧٩).

<<  <   >  >>