للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

البُلوغ بل علامة على قدرة الْإِنْسَان على الجهاد؛ لأَن الَّذينَ أخذوا بها إنما أخذوا بحديث ابن عمر - رضي الله عنهما - حينما عُرض على النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - عام أُحد فلم يجزه، وعرض علَيْه عام الخندق فأجازه، وكان له عام الخندق خمس عشرة سنة (١)، لكن في رِوايَة للحاكم أنَّه قَالَ: "فَلَمْ يُجِزْنِي وَلَمْ يَرَنِي بَلَغْتُ" (٢)، والثَّاني: "فَأَجَازَنِي وَرَآنِي بَلَغْتُ"، لكن كَلِمة بلغت هل معناه بلغت سن التكليف أو بلغت الحالة الَّتِي يُمْكِنني فيها أن أجاهد؟ فيه احتمال".

لكنَّ عمر بن عبد العزيز - رَحِمَهُ اللهُ ورضي عنه - كتب إلى عماله أن يفرضوا لمن بلغ خمس عشرة سنة ورآهم قد بلغوا، وقال: إِذَا كَانَ هَذَا السن حدًّا لصلاحهم للقتال فهو حد لبلوغهم (٣)، ويرى بعض العُلَماء كأبي حنيفة أن حد البُلوغ ثماني عشرة سنة لا خمس عشرة سنة، وهَذَا هو الَّذِي مشى علَيْه نظام العَمَل والعمال هُنا؛ لأَن واضعه فيما يظهر إِنْسَان أجنبي لا يعرف إلَّا المَذْهب المعْرُوف في الشَّارع عند عامَّة المُسْلِمِينَ وهو مذهب أبي حنيفة رَحَمَهُ اللَّهُ الَّذِي يقيده بثماني عشرة سنة.

إنما مذاهب الأئمة الثَّلاثة أن البُلوغ يحصل بخمس عشرة سنة، أما إِنْبَات العَانَة ففيه خلاف أيضًا، والَّذينَ قالوا: إنه لَيْسَ علامة على البُلوغ قالوا: إن كون الرَّسُول عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يكشف عن أُزُرِ بني قريظة فمن أَنْبَتَ قتله (٤)، لَيْسَ ذَلِك دليلًا


(١) أخرجه البخاري، كتاب الشهادات، باب بلوغ الصبيان وشهادتهم، حديث رقم (٢٦٦٤)، ومسلم، كتاب الإمارة، باب بَيان سن البلوغ، حديث رقم (١٨٦٨)؛ عن ابن عمر.
(٢) أخرجه ابن حبان في صحيحه، باب فرض الجهاد، ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن تمام خمس عشرة سنة للمرء لا يكون بلاغًا، حديث رقم (٤٧٢٨).
(٣) أخرجه الدَّارَقُطني (٤/ ١١٥) (٤٠)، وانظر: المغني (٤/ ٢٩٧).
(٤) أخرجه أَبو داود، كتاب الحدود، باب في الغلام يصيب الحد، حديث رقم (٤٤٠٤)، والنَّسائي، كتاب الطلاق، باب متى يقع طلاق الصبي، حديث رقم (٣٤٣٠)، والتِّرمِذي، كتاب السير، =

<<  <   >  >>