قَوْلهُ:{وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ} يعني على أمر عامٍّ للمُسْلِمين من الجهاد والمشورة والجمعة وغيرها، كل أمر جامع عام للمُسْلِمين لَيْسَ أمرًا خاصًّا بهم إِذَا اجتمعوا لا يذهبون حَتَّى يستأذنوه، لأَن ذهابهم بدون اسْتِئْذان يؤدي إلى الفوضى واختلال النِّظام، فلو فُرض أنَّه نودي:"الصَّلاة جامعة" واجتمع النَّاس للتشاور في أمر ثم بعد أن حضر النَّاس قام واحد وانصرف بدون اسْتِئْذان نقول: هَذَا حرام ولا يجوز، لأَن هَذَا يؤدي إلى تفكك هَذَا الاجتماع وإلى الفوضى وعدم النِّظام، فإذا اجتمع المُسْلِمُونَ على أمر جامع، يعني: عامًّا من خطبة الجمعة وغيرها، فإنَّه لا يجوز لأحد أن ينصرف إلَّا بعذر وبعد الاسْتِئْذان، لما في ذَلِك من إضعاف الباقين؛ لأنهم لو رأوا واحدًا يقوم، قام الثَّاني، وقام الثّالث، وقام الرابع، وهَكَذا.
ولا شَكَّ - كما نُشاهد الآن - أنَّه إِذَا قام واحد من المجتمعين فإنَّه يتبعه أناس وَيكُون هَذَا بمنزلة الحائط، أي: الجدار، الَّذِي انهدم منه ثلمة؛ لا يتماسك فيما بعد، والعوام لهم مثل، يَقُولُونَ:"إذا طاح من طي الركية طية لا تُعِدّ طي الركية إلَّا طاح" الركية: البئر، يعني إِذَا سقط منها حصاة فالباقي يتداعى ولا تعده إلَّا ساقطًا.
فالحاصِل: أن المُؤْمِنِينَ حَقِيقَة إِذَا كانوا مع الرَّسُول - صلى الله عليه وسلم - على أمر جامع، ومعنى {جَامِعٍ} أي شامل وعام كالتجمع للجهاد والتجمع للمشاورة والتجمع لأمر هام يَتعلَّق بالمُسْلِمِينَ عُمومًا، فإنهم لا يذهبون من مكان الاجتماع حَتَّى يستأذنوا النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -.
ثم إن المُفَسِّر رَحَمَهُ اللَّهُ قيّده بقيد لا بُدَّ منه؛ قَالَ:[لِعُرُوضِ عُذْر لهمْ].
أيضًا لا يذهبون إلَّا لعذر، فلابُدَّ من العذر، والعذر أمر خفي لا يعلم، ولأبدَّ من الاسْتِئْذان ليتبَيَّن لجميع الحاضرين عذرهم، ولا يَكُون في ذَلِك خلل.