للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومنهم من يقول: الحكم للأحفظ، ننظر في الرواة الذين رفعوه، والرواة الذين وقفوه، فإن كان من رفعه أحفظ حكمنا له، وإن كان من وقفه أحفظ حكمنا له.

ومنهم من قال: الحكم للأكثر، فإن كان من رفعه أكثر حكمنا له، وإن كان من وقفه أكثر حكمنا له.

ومنهم من يقول: لا هذا ولا ذاك، إنما يحكم لما تؤيده القرائن، فإن دلت القرائن على رجحان الرفع حكمنا برفعه، وإن دلت القرائن على رجحان الوقف حكمنا به، ومعلوم أن مثل هذا الحكم الذي هو بالقرائن إنما هو للأئمة، ومن كان في حكمهم ممن يحفظ كحفظهم، ويفهم كفهمهم، وليس هذا لآحاد المتعلمين؛ لأن من المتعلمين من يطالب بالحكم بالقرائن يطالب من لم يتأهل، وهذا لا شك أنه تضييع له من جهة، وتجرأة له من جهة؛ لأنه لا بد أن يخطئ أحداً من أهل العلم، وهو لم يدرك سر هذا الأمر، أما من تأهل فهذا فرضه، نظير ذلك الاجتهاد في الأحكام، المبتدئ ومن في حكمه فرضه تقليد أهل العلم، والمتأهل فرضه أن يدين الله بما يرجح عنده من حيث الدليل.

أبو حاتم رمي بالتشدد، ولذا تجدون في غالب الأحكام في تعارض الرفع مع الوقف، والوصل مع الإرسال أنه في الغالب يحكم بالوقف وبالإرسال، ولذا رمي بالتشديد، لكن الإمام البخاري مثلاً تجده مرة يحكم بالرفع، ومرة يحكم بالوقف، ومرة يحكم بالوصل، ومرة يحكم بالإرسال، وكذلك الإمام أحمد وغيرهما من الأئمة المعتدلين المتوسطين في أحكامهم، فتجد البخاري يحكم برفع حديث يحكم الإمام أحمد بوقفه والعكس، ولا تجد هذه صفة غالبة عند البخاري أو هذه، وكذلك الإمام أحمد وغيرهما ممن وُصف بالاعتدال، لكن الإمام أبا حاتم والدارقطني وغيرهما تجدهم يميلون ويستروحون إلى طرف دون آخر، بينما من تأخر من أهل العلم الذين لهم عناية بالحديث تجد نَفَسه خلاف ما ينحو إليه أبو حاتم، تجد في تعارض الرفع مع الوقف يحكمون بالرفع، تعارض الوصل مع الإرسال يحكمون بالوصل، هذه طريقة غالب المتأخرين؛ لأنهم جروا على قواعد: منها قبول زيادة الثقة مطلقاً، مع أنها تدخل في هذا الباب أن القبول والرد يتبع القرائن، منهم من ينقل عليها الاتفاق كالبيهقي والحاكم، لكن الاتفاق لا يُسلّم، وصنيع الأئمة كثير منهم على خلاف ذلك.