والمسافر معذور لوجود المشقة في السفر في الجمع بين الصلاتين، وفي قصر الصلاة على ما تقدم بيانه في الدرس السابق، وهو من أهل الأعذار في الجملة، وإن كان بدنه سليماً صحيحاً معافى ليس كالمريض الذي تقدم الكلام فيه، ولا كالخائف الذي يأتي الكلام فيه.
المسافر: من السفر، مسافر اسم فاعل من سافر مسافرة، والأصل في المفاعلة أن تكون بين طرفين كالمضاربة والمقاتلة، لكن قد تأتي هذه الصيغة من طرف واحد، كما في قولهم: سافر زيد، وطارقت النعل، وما أشبه ذلك في أحرف خرجت عن هذه القاعدة، وإلا فالأصل أن المفاعلة تكون بين طرفين.
مسافر: من السفر وهو البروز والخروج من البلد، ومنه قيل للمرأة التي تكشف عن شيء من بدنها: سافرة، ومنه السفور وهو إبراز شيء من بدن المرأة، يقال له: سفور؛ لأنه يظهر ويبرز، ومثله السفر، فالوصف المؤثر المغير للأحكام هو السفر، وهو الذي علقت عليه الأحكام، وهو البروز والخروج من مكان الإقامة، ولذا لا يجوز الترخص إلا بعد السفور والبروز والخروج من البلد حتى يفارق عامر البلد لا بد من مفارقته ليترخص؛ ليتحقق الوصف المؤثر، وهذا قول جماهير أهل العلم، وإن كان بعضهم يرى أن له أن يترخص قبل أن يخرج من البلد إذا أزمع على الخروج، لكن الرخص إنما علقت بالسفر، فهو الوصف المؤثر، فلا يتحقق الترخص إلا بتحقق الوصف المؤثر، وعلى هذا إذا وصل إلى مطار البلد سواءً كان في سفره أو رجوعه، في ذهابه أو إيابه، مطار البلد المضاف إليه منه، وحينئذٍ لا يترخص حتى يركب وسيلة السفر التي هي الطائرة، ويصدق عليه الوصف، وما دام في المطار فإنه لا يصدق عليه الوصف أنه سافر، ولو كان المطار منفصلاً عن البلد لأنه جزء منه؛ لأنه قد يوجد فواصل في داخل البلد، ويوجد فواصل في أحياء البلد، فمنها -من أحياء البلد- ما يفصله عن البلد أرض بوار، ميتة، هذه لا تكفي في أن يقال: إنه سافر، ما دام هذا الحي جزء من هذا البلد، وما دام المطار يضاف إلى البلد، ولذا لا تستطيع أن تقول: إني سافرت وأنت في المطار، وإذا رجعت قيل: وصلنا إلى الرياض أو إلى جدة أو إلى غيرهما، إذا وصلت المطار، فهو جزء من البلد، والسفر إنما يبدأ بمفارقته، وإن كان منفصلاً عن البلد.